الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا قال : والله لا لبست حليا حنث على الذهب والفضة واللؤلؤ والجوهر .

وقال أبو حنيفة : لا يحنث باللؤلؤ والجوهر حتى يمتزج بذهب أو فضة استدلالا بالعرف واحتجاجا بالاسم .

ودليلنا : نص الشرع بخلافه . قال الله تعالى : يذكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها [ النحل : 14 ] ، والمستخرج منه هو اللؤلؤ والجوهر والمرجان ، فجعله حليا ملبوسا .

وقال تعالى : يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير [ الحج : 23 ] .

قرأ عاصم ونافع ( لؤلؤا ) بالنصب ، وقرأ الباقون بالخفض ، فالنصب محمول : على الانفراد ، والخفض محمول على الأمرين من الانفراد والامتزاج ؛ ولأن ما كان حليا بامتزاجه كان حليا بانفراده كالذهب والفضة ؛ ولأن الحلي ما يراد إما للزينة أو للمباهاة ، وهما في الحلي اللؤلؤ والجوهر أوفى منهما في الذهب والفضة .

فأما التحلي بالخرز والصفر ، فيحنث به من كان في عرفهم حليا كالبوادي وسكان السواد ، ولا يحنث به من خرج عن عرفهم من سائر الناس .

فإذا ثبت هذا ، فلا فرق في الحنث به بين مباحه ومحظوره ، فلو لبس ثوبا منسوجا بالذهب لم يحنث ؛ لأنه باسم الثوب أخص منه باسم الحلي ، وكذلك لو تقلد بسيف محلى لم يحنث ؛ لأن السيف ليس بحلي ، وإن كان عليه حلي .

فأما لبس منطقة محلاة بذهب أو فضة ، ففي الحنث بها وجهان :

أحدهما : يحنث لأنها من حلي الرجال .

[ ص: 445 ] والثاني : لا يحنث بها ؛ لأنها من الآلات المحلاة كالسيف ، ويحنث بلبس الخاتم ذهبا كان أو فضة .

وقال أبو حنيفة : لا يحنث بلبسه إن كان من فضة ، ويحنث إن كان من ذهب ؛ لأن الفضة مألوفة والذهب غير مألوف ، وهذا فاسد ؛ لأن مألوف الحلي كغير مألوفه كالأسورة والأطواق ، ولأن ما كان حليا في الأسورة والأطواق كان حليا في الخواتيم كالذهب ، وقد روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحلى خاتما من ذهب ثم نزعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية