الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو حلف ليضربن عبده مائة سوط فجمعها فضربه بها ، فإن كان يحيط العلم أنها ماسته كلها بر ، وإن أحاط أنها لم تماسه كلها لم يبر ، وإن شك لم يحنث في الحكم ويحنث في الورع ، واحتج الشافعي بقول الله عز وجل : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث وضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأثكال النخل في الزنا ، وهذا شيء مجموع غير أنه إذا ضربه بها ماسته ( قال المزني ) - رحمه الله - : هذا خلاف قوله : لو حلف ليفعلن كذا لوقت إلا أن يشاء فلان ، فإن مات أو غبي عنا حتى مضى الوقت حنث ( قال المزني ) - رحمه الله - : وكلا ما يبر به شك ، فكيف يحنث في أحدهما ولا يحنث في الآخر ؟ فقياس قوله عندي أن لا يحنث بالشم . قال الشافعي : ولو لم يقل ضربا شديدا فأي ضرب ضربه إياه لم يحنث ؛ لأنه ضاربه " .

قال الماوردي : إذا حلف أن يضرب عبده مائة اشتمل حكم بره على ثلاثة فصول :

أحدها : عدد ضربه .

والثاني : وصول جميعها إلى بدنه .

والثالث : في حصول الألم بضربه .

فأما الفصل الأول في عدد ضربه ، فمعتبر بلفظ يمينه ، وله فيه ثلاثة أقوال :

أحدها : أن يحلف أن يضربه مائة مرة .

والثاني : أن يحلف أن يضربه مائة سوط .

[ ص: 452 ] والثالثة : أن يحلف أن يضربه مائة ضربة .

فأما الحال الأولى : إذا حلف أن يضرب مائة مرة ، فعليه في البر أن يفرقها ، ولا يجوز أن يجمعها ، فإن جمعها وضربه بها كانت مرة واحدة ، كما لو رمى الجمرة بسبع حصيات دفعة واحدة اعتدها بحصاة واحدة ، حتى رمى بسبع حصيات في سبع مرات ، وهذا متفق عليه .

وأما الحالة الثانية : إذا حلف أن يضربه مائة سوط ، فيجوز أن يفرقها ويجوز أن يجمعها ويضربه بمائة سوط دفعة واحدة ويكون بارا ، وبه قال أبو حنيفة ، وقال مالك : عليه أن يفرقها ولا يبر إن جمعها ، كما لو حلف أن يضربه مائة مرة .

ودليلنا قول الله تعالى : وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث [ ص : 44 ] وذلك أن نبي الله تعالى أيوب حلف أن يضرب امرأته عددا سماه ، فأفتاه الله تعالى أن يجمع ذلك العدد فيضربها به دفعة واحدة ؛ ليبر في يمينه .

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقعد زنا أن يضرب بإثكال النخل دفعة واحدة .

والفرق بين أن يقول مائة مرة ، فلا يجوز أن يجمعها ، وبين أن يقول مائة سوط ، فيجوز أن يجمعها أنه جعل المعدود في مائة مرة الفعل ، وفي مائة سوط الأسواط .

وأما الحال الثالثة : إذا حلف أن يضربه مائة ضربة ، ففيه وجهان :

أحدهما : أن عليه أن يفرقها ، ولا يبر إن جمعها ، كما لو حلف ليضربه مائة مرة ، ويكون العدد راجعا إلى الفعل .

والوجه الثاني : يجوز ذلك ويبر به كما لو حلف أن يضربه مائة سوط ، ويكون العدد راجعا إلى الآلة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية