الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر أن عليه فيه هذا النذر أن يحرم بحج أو عمرة ، فله حالتان :

إحداهما : أن يطلق في نذره صفة قصده ، ولا يشترط فيه ركوبا ، ولا مشيا فيقول : لله علي أن أقصد بيت الله الحرام ، أو أذهب إليه ، أو أمضي إليه أو أتوجه إليه ، فهو مخير إذا خرج بين الركوب والمشي .

والحال الثانية : أن يشترط في نذره صفة قصده بركوب أو مشي فيقول : لله علي أن أمشي إلى بيت الله الحرام ، أو أركب إلى بيت الله الحرام ، ففي لزوم هذين الشرطين في نذره ثلاثة أوجه :

أحدها : أنه لا يلزمه الركوب ولا المشي ؛ لأنه لما لم يجب واحد منهما بالشرع لم يجب بالنذر ، وله أن يركب إن شرط المشي ، ويمشي إن شرط الركوب .

وقد روى يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر قال : نذرت أختي أن تمشي إلى بيت الله ، فأمرتني أن أستفتي لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاستفتيته فقال : لتمش أو لتركب فخيرها بين المشي والركوب ، فدل على سقوط الشرط في المشي والركوب .

[ ص: 471 ] والوجه الثاني : أنهما يجبان بالشرط ؛ فيلزمه أن يمشي إذا شرط المشي ويلزمه أن يركب إذا شرط الركوب ، لأن في المشي زيادة عمل ، وفي الركوب زيادة نفقة ، وكلاهما قربة لله تعالى ، وليس من شرط النذر أن لا يلزم فيه إلا ما وجب بالشرع كما يلزم فيه الأضحية والاعتكاف ، وإن لم يجب فيه الشرع .

والوجه الثالث وهو أشبه : أن المشي يلزم باشتراطه ، ولا يلزم الركوب باشتراطه ؛ لأن في المشي مشقة ، فلزم لتغليظه ، وفي الركوب ترفيه ، فلم يلزم لتحقيقه ، وأداء الأخف بالأغلظ مجزئ ، وأداء الأغلظ بالأخف غير مجزئ .

وقد روي أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام حجا ماشيين .

وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : " ما آسى على شيء كما آسى على أن لو حججت في شبابي ماشيا " .

وقد سمعت الله تعالى يقول : يأتوك رجالا وعلى كل ضامر [ الحج : 27 ] ، فبدأ بالرجالة قبل الركبان .

فإن قيل بالوجه الأول : إن المشي والركوب لا يجبان بالشرط ، لزمه أن يحرم بالحج من ميقاته ، ولم يلزمه الإحرام فيه من بلده اعتبارا بفرض الحج في الإحرام كما اعتبر بفرضه في سقوط المشي والركوب .

وإن قيل بالوجه الثاني إن المشي والركوب يجبان بالشرط ابتدأ بكل واحد منهما عند مسيره من دويرة أهله ولزمه الإحرام فيه من بلده ؛ لأنه لما صار المشي والركوب من حقوق هذا الحج ، المندوب ، وإن لم يكن من حقوق حج الإسلام وجب أن يقترن به الإحرام ليصير به داخلا في لوازم النذر .

وإن قيل بالوجه الثالث : إن المشي واجب بالشرط ، والركوب غير واجب بالشرط ، لزمه في اشتراط المشي أن يحرم من بلده ، وفي اشتراط الركوب أن يحرم من ميقاته .

التالي السابق


الخدمات العلمية