الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والقسم الثاني : أن لا يعين هديه ، ويسمي جنسا يعم أنواعا كقوله : لله علي أن أهدي بدنة ، فاسم البدنة يطلق في العرف على الواحد من الإبل ، ولا يعم أنواعا ، ويطلق في الشرع على الواحد من الإبل ، وعلى الواحد من البقر ، وعلى سبع من الغنم ، لحديث جابر فنحرنا البدنة عن سبعة ، فيصير اسم البدنة في الشرع جنسا ، يعم أنواعا ، فيحمل نذره على موجب الشرع دون العرف ، فيلزمه في نذر هدي بدنة ، أن ينحر بعيرا ، أو بقرة ، أو سبعا من الغنم ، وفي كيفية لزومها وجهان ، كما قلناهما في إفساد الحج :

أحدهما : أنها تلزمه على وجه التخيير في نحر أيها شاء من بعير أو بقرة ، أو سبع من الغنم ، لأن كل واحد منهما يقوم مقام الآخر .

والوجه الثاني : أنها تلزمه على وجه الترتيب ، فينحر بعيرا ، فإن عدمه نحر بقرة ، فإن عدمها ، نحر سبعا من الغنم ، لأن اسم البدن ينطلق على الإبل عرفا ، وشرعا فصارت أصلا . قال الله تعالى : والبدن جعلناها لكم من شعائر الله لكم فيها خير فاذكروا اسم الله عليها صواف فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها [ الحج : 36 ] . يريد بها الإبل فإذا تقرر الوجهان ، فهل يراعي فيها شروط الضحايا في السن والسلامة من العيوب أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : لا يراعي شروط الضحايا اعتبارا بمطلق الاسم ، فيجزئ صغيرها وكبيرها وسليمها ومعيبها .

والوجه الثاني : يراعي شروط الضحايا من سنها وسلامتها وهو منصوص الشافعي اعتبارا بعرف الشرع ، فلا يجزئ منها إلا السليم من عيوب الضحايا ، ويجزئ الخصي فيها لإجزائه في الضحايا ، ولا يجزئ من الإبل والبقر والغنم ، إلا الثني ، فصاعدا ، ويجزئ الضأن الجذع ، فإن عدم هذه الأنواع الثلاثة ، لم يجز أن يعدل عنها إلى الإطعام ، وإن كان في الشرع بدلا منها لانتفاء اسم البدنة عنها ونحن نراعي في النذر [ ص: 487 ] عرف الشرع مع وجود الاسم ، إما حقيقة ، أو مجازا ، لتكون معانيها لها ، وإن كانت في الشرع تبعا لمعانيها ، واسم البدنة لا ينطلق على الطعام حقيقة ، ولا مجازا وإن كانت تنطلق على البقر ، والغنم ، إما حقيقة ، وإما مجازا ، فصار الطعام مسلوب الاسم ، وإن كان بدلا مشروعا ، كما لو نذر عتق عبد فعدمه لم يعدل عنه إلى الصيام ، وإن كانت بدلا من العتق في الكفارات .

التالي السابق


الخدمات العلمية