الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 490 ] مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو نذر عدد صوم صامه متفرقا أو متتابعا " .

قال الماوردي : لا يخلو إذا نذر صيام أيام معدودات من أن يعين زمانها ، أو يطلقه فإن عينه ، فقال : لله علي أن أصوم العشر الأول من رجب ، أو العشر الأخير من شعبان ، لزمه أن يصوم العشر الذي عينه ، لا يجزئه أن يقدمه ، ولا يجوز أن يؤخره ، ويكون فيه التتابع مستحقا ، لأن أيامه متتابعة .

وإن أطلق العشر ولم يعينه ، وقال : " لله علي أن أصوم عشرة أيام ، فله ثلاثة أحوال :

أحدها : أن يشترط فيها التتابع إما بقوله أو بقلبه ، فيلزمه تتابعها ، ويكون على التراخي دون الفور إلا أن يشترط فيها الفور ، فيجب في شرطه أن يعجل صيامها على الفور ، فإن فرق صيامها لم يجزه وأعادها متتابعات .

والحال الثانية : أن يشترط صيامها متفرقة ، فيجوز له أن يفرقها ، وأقل التفرقة أن يفرق كل يومين بيوم ، فإن تابع صيامها ففيه وجهان :

أحدهما : يجزئه ، لأن المتابعة أغلظ .

والوجه الثاني : لا تجزئه ، لأجل الشرط ، فإن شرط أن يتابع فيها خمسة أيام ، ويفرق خمسة أيام ، صامها على ما شرط ، وكان مخيرا في تقديم ما شاء من صيام المتتابعات أو المتفرقات ويختار أن يفرق بين الصومين بيوم ، فإن تابع بين الخمسة المتفرقات ، والخمسة المتتابعات جاز ؛ لأن التفرقة مشروطة في الخمسة وليست مشروطة بين الخمستين ، فإن تابع الصيام العشرة كلها أجزأه الخمسة المتتابعة ، وفي إجزاء الخمسة المتفرقة ما ذكرناه من الوجهين فلو قال : " لله تعالى علي أن أصوم عشرة أيام " بعضها متتابعا ، وبعضها متفرقا ، فأقل ما عليه أن يتابع بين يومين ، وأقل ما له أن يفرق بين يومين ، وهو فيما عداهما بالخيار بين التفرقة والمتابعة .

والحال الثالثة : أن يطلق صيام العشرة أيام ، ولا يشترط فيها متابعة ، ولا تفرقة فالأولى به والأفضل له أن يصومها متتابعة ، أما الفضيلة فلقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل وأما الأولى فلأنه يأمن الفوات ، فإن فرق صومها أجزأه . وقال داود : لا يجزئه حتى يتابعها ، لأن الله تعالى شرط التتابع في صيام كفارة القتل والظهار ، فحمل عليه كل مطلق من الصيام ، وهذا فاسد ، لأن مطلق الصيام يتردد بين أصلين ، شرط التتابع في أحدهما ، وهو كفارة القتل ، والظهار ، وشرط التفرقة في الآخر ، وهو صوم التمتع ، فلم يكن الصوم المطلق في اعتباره بأحدهما [ ص: 491 ] أولى من اعتباره بالآخر ، فوجب مع تردده ، بين الأصلين أن يكون على إطلاقه في جواز تفرقته وتتابعه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية