الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا نذر صلاة ركعتين في موضع بعينه فهو على ثلاثة أقسام :

أحدها : ما لا يتعين عليه فعل الصلاة ، ويكون مخيرا بين الصلاة فيه ، وفي غيره ، وهو إذا نذر أن يصلي في مسجد البصرة ، جاز أن يصلي في مسجد الكوفة .

ولو نذر أن يصلي في مسجد الكوفة ، جاز أن يصلي في مسجد البصرة ، لأن الصلاة في كل واحد منهما كالصلاة في الآخر وهذا متفق عليه .

والقسم الثاني : ما يجب عليه أن يصلي بنذره فيه ، ولا يجزئه في غيره ، وهو المسجد الحرام المختص بوجوب الفضل في الشرع .

وقال أبو حنيفة : لا تلزمه الصلاة فيه ، ويجوز أن يصليها في غيره كما لو نذر أن يصلي في جامع البصرة أو الكوفة ، لأنه ليس يلزم في الشرع الصلاة في موضع بعينه فلم يلزم في النذر .

ودليلنا قول الله تعالى : وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم [ النحل : 91 ] . فكان إذا على عمومه .

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : من نذر نذرا يطيقه فليف به ، ومن نذر نذرا سماه فعليه الوفاء به وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي وصلاة في مسجدي أفضل من ألف صلاة فيما سواه فجعل الصلاة في المسجد الحرام كمائة ألف صلاة في غيره ، فصار الناذر للصلاة فيه ، كالناذر لمائة ألف صلاة ، فلم يجزه عنها صلاة واحدة ، وبهذا المعنى فارق نذر الصلاة في غيره ، لأنه لا فضل لغيره من المواضع على غيره .

والقسم الثالث : ما اختلف قوله في وجوب الصلاة فيه ، وهو إذا نذر أن يصلي في المسجد الأقصى أو في مسجد المدينة ، ففي وجوب الصلاة فيه قولان ، بناء على اختلاف قولي الشافعي في وجوب النذر بالمشي إليهما :

[ ص: 503 ] أحدهما : أنه واجب كالحرم ، فعلى هذا يلزمه الصلاة فيهما كما تلزمه الصلاة في الحرم .

والقول الثاني : لا يجب ، كما لا يجب نذر المشي إلى غيرهما من بلاد الحل ، فعلى هذا لا يلزمه الصلاة فيهما ويجوز أن يصلي في غيرهما من البلاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية