الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " ولو قال رجل لآخر يميني في يمينك فحلف فاليمين على الحالف دون صاحبه ( قال المزني ) - رحمه الله - : فقلت له : فإن قال : يميني في يمينك بالطلاق فحلف ، أعليه شيء ؟ فقال : لا يمين إلا على الحالف دون صاحبه ( قال المزني ) - رحمه الله - : قال لي علي بن معبد : في المشي كفارة يمين عن زيد وابن عمر وحفصة وميمون بن مهران والقاسم بن محمد والحسن وعبد الله بن عمر الجوزي ، ورواية عن محمد بن الحسن والحسن وقال سعيد بن المسيب : لا كفارة عليه أصلا ، وعطاء وشريك ، وسمعته يقول ذلك ، وذكر عن الليث كفارة يمين في ذلك كله إلا سعيد ، فإنه قال لا كفارة ( قال المزني ) : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن منصور بن عبد الرحمن الحجبي ، عن أمه صفية بنت شيبة ، أن ابن عم لها جعل ماله في سبيل الله ، أو في رتاج الكعبة ، فقالت : قالت عائشة : هي يمين يكفرها ما يكفر اليمين . وحدثنا الحميدي قال : حدثنا ابن أبي رواد ، عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن سعيد بن المسيب ، أن عمر بن الخطاب ، قال فيمن جعل ماله في سبيل الله : يمين يكفرها ما يكفر اليمين . قال الحميدي : وسمعت الشافعي وسفيان يفتيان به . قال الحميدي : وهو قولي " .

قال الماوردي : أما قوله : " يميني في يمينك " أي على مثل يمينك فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يقول ذلك لمن لم يحلف وأراد كل يمين يحلف بها من بعد ، فعلى مثلها وأنا ملتزم لها ما حكم لهذا القول ، فلا يلزمه فلا يحلف عليه صاحبه ، [ ص: 505 ] سواء استأنف يمينا بالله أو بطلاق ، أو عتاق ، لأنه أشار بالقول إلى معدوم ، فبطل حكم الإشارة ، وإلى مجهول فبطل حكم الجهالة .

والضرب الثاني : أن يقول ذلك لمن قد حلف يمينا ، فقال : له بعد يمينه على مثل يمينك ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون يمينه بالله تعالى ، فلا يلزم هذا القائل يمين الحالف ، لأنه قد كنى عن اسم الله تعالى ، والأيمان بالله لا تنعقد إلا بالصريح دون الكناية .

والضرب الثاني : أن تكون يمين الحالف بطلاق ، أو عتاق ، فإن أراد هذا القائل بما قال الطلاق والعتاق ، لزمه وإن لم يرد به لم يلزمه ، لأن الطلاق والعتاق يقع بالكناية مع الإرادة ، وهذا القول كناية فلزمت الإرادة ، ولم تلزم مع عدم الإرادة .

فإن قيل : فلم انعقد بالكناية يمين العتق والطلاق ، ولم تنعقد بها اليمين بالله تعالى .

قيل : لوقوع الفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أنه لما صحت النيابة في الطلاق والعتاق ، ولم تصح النيابة في الأيمان بالله ، وقامت الكناية مقام الصريح في الطلاق ، ولم يقم مقام الصريح في الأيمان ؛ فافترقا من هذا الوجه .

والثاني : أن أسماء الله تعالى مختصة بذاته ، لا تقف على إرادة مسميه ، فاختص بالصريح دون الكناية ، وأسماء غيره تقف على إرادة مسميه ، فجمع فيها بين الصريح والكناية ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية