الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : لزوم العقد

وأما الشرط الثالث وهو لزوم العقد : فهو معتبر في لزومه لأهل العمل وليس بشرط في لزومه للمولي والمولى لأنه في حقهما من العقود الجائزة دون اللازمة لأنها استنابة كالوكالة . ولا يلزم في حق المستنيب ولا في حق المستناب .

ويجوز للمولي أن يعزله إذا شاء .

والأولى بالمولي أن لا يعزله إلا من عذر .

وأن لا يعزل المولى نفسه إلا لعذر .

فإن كان العزل من المولي إشاعة حتى لا ينظر المولى بعد العزل فإن نظر بعده وقبل علمه بالعزل كان في نفوذ أحكامه وجهان كعقد الوكيل بعد عزله وقبل علمه .

وإن كان الاعتزال من المولى إشاعة ليقلد المولي غيره فإن حكم بعد اعتزاله رد حكمه .

فأما أهل العمل فالتقليد لازم في حقوقهم بإظهار الطاعة والتزام الحكم .

فإن امتنعوا من التزامه لعذر أوضحوه وإن كان لغير عذر أرهبوا .

فإن أقاموا على الامتناع حوربوا لأن التزام القضاء من الفروض فإذا امتنعوا من التزامه حوربوا عليه كما يحاربون على امتناعهم من الفروض ، ولزوم الطاعة صحة التقليد .

وعلمهم بها مختلف بقربهم وبعدهم .

فإن بعدوا من أن يشيع خبر التقليد فيهم أشهد المولى على نفسه شاهدين بالتقليد والعهد الذي تضمنته الولاية بعد قراءته عليهما وعلمهما بما فيه حتى يشهدا به عند أهل العمل ، فإن عرفوا عدالتهما لزمتهم الطاعة وإن لم يعرفوها لم تلزمهم الطاعة حتى يكشفوا عن العدالة .

[ ص: 24 ] وإن لم يشهد بها شاهدان وورد القاضي المولى فأخبرهم بولايته لا تلزمهم الطاعة إن لم يصدقوه .

وفي لزومها لهم إن صدقوه وجهان :

أحدهما : تلزمهم لأنهم اعترفوا بحقه عليهم .

والوجه الثاني : لا تلزمهم لما يتضمنها من إقرارهم على المولى .

وإن كان العمل قريبا من المولى أشاع الولاية حتى يستفيض بها الخبر .

وفي اكتفائه بالإشاعة عن الشهادة وجهان :

أحدهما : يكتفي بها لأنها أوكد .

والوجه الثاني : لا يكتفي بها حتى يشهد لأن الشهادة أخص .

فإن جعلت الإشاعة كافية لزمت الطاعة وإن لم تجعل كافية لم تلزم الطاعة .

وليس كتب العهد شرطا في التقليد ، قد كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمرو بن حزم كتابا ولم يكتب لمعاذ ، واقتصر على وصيته وإنما يراد العهد ليكون شاهدا بما تضمنه من صفات التقليد وشروطه .

التالي السابق


الخدمات العلمية