الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : وجوب الاستنجاء

قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن جاء من الغائط أو خرج من ذكره أو من دبره شيء فليستنج بماء أو يستطيب بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع ولا عظم " .

قال الماوردي : وهذا كما قال الاستنجاء واجب .

وقال أبو حنيفة : الاستنجاء ليس بواجب والصلاة بتركه مجزية ، وجعل محل الاستنجاء مقدارا يعتبر به سائر النجاسات وحده بالدرهم البغلي استدلالا برواية أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من اكتحل فليوتر ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج ومن استجمر فليوتر ومن فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " ، فلما قرنه بالاكتحال ووضع الحرج عن تاركه دل على عدم إيجابه ، ولأنها نجاسة لا يلزمه إزالة أثرها فوجب أن لا يلزمه إزالة عينها كدم البراغيث .

ولأنها نجاسة لا تجب إزالتها بالماء فلم تجب إزالتها بغير الماء قياسا على الأثر . ودليلنا عموم قوله تعالى : والرجز فاهجر [ المدثر : 5 ] ولم يفرق ورواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنما أنا لكم مثل الوالد إلى قوله فليستنج بثلاثة أحجار " . وهذا أمر يقتضي الوجوب وروى عروة عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه " ، فلما أمر بالأحجار وعلق الإجزاء بها دل على وجوبها وعدم الإجزاء بفقدها ، ولأنها نجاسة يقدر في الغالب على إزالتها من غير مشقة فاقتضى أن تكون إزالتها واجبة قياسا على ما زاد على قدر الدرهم ، [ ص: 160 ] ولأن كل ما منع من الصلاة إذا زاد على قدر الدرهم منع منها وإن نقص عن الدرهم قياسا على ما لم يصبه الماء من أعضاء الحدث ، ولأنها طهارة بمائع أقيم فيها الجامد مقامه فاقتضى أن تكون واجبة كالتيمم .

فأما الجواب عن قوله : من استجمر فليوتر ومن لا فلا حرج من وجهين :

أحدها : أن قوله " ومن لا " عائد إلى الإيتار فإذا تركه إلى الشفع فلا حرج عليه .

والثاني : أنه عائد إلى ترك الأحجار إلى الماء فلا حرج فيه ، وأما قياسهم على دم البراغيث فمنتقض على أصلهم بالمني يجب عندهم إزالة عينه دون أصله ، ثم المعنى في دم البراغيث لحوق المشقة في إزالته وكذلك قياسهم على الأثر فالمعنى فيه أنه يشق إزالته بالحجر .

فصل : فإذا ثبت ما ذكرنا من وجوب الاستنجاء فاعلم أن الخارج من السبيلين ينقسم ثلاثة أقسام :

قسم يوجب الاستنجاء وهو الغائط والبول وكل ذي بلل خرج من السبيلين .

وقسم لا يوجب الاستنجاء وهو الصوت والريح لأن الاستنجاء موضوع لإزالة النجس ، والصوت والريح لا ينجس ما لاقاه فلم يجب الاستنجاء منه ، كما أنه لم ينجس الثوب فلم يجب غسله منه .

والقسم الثالث : ما اختلف قوله في وجوب الاستنجاء منه وهو ما خرج من السبيلين من الأعيان التي لا بلل معها كالدود والحصى إذا خرجا يابسين ، ففي وجوب الاستنجاء منه قولان :

أحدهما : لا يجب لعدم البلل كالصوت والريح .

والثاني : يجب لوجود العين كالغائط والبول .

التالي السابق


الخدمات العلمية