الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي ، رضي الله عنه : " ولو سها في الأولى أشار إلى من خلفه بما يفهمون أنه سها ، فإذا قضوا سجدوا للسهو ثم سلموا ، وإن لم يسه هو وسهوا هم بعد الإمام سجدوا لسهوهم وتسجد الطائفة الأخرى معه لسهوه في الأولى " .

قال الماوردي : وهذا كما قال : السهو في صلاة الخوف كحكمه في صلاة الأمن فإذا حدث في صلاة الخوف سهو لم يخل حاله من أحد أمرين : إما أن يكون من قبل الإمام أو من قبل المأموم ، فإن كان من قبل الإمام فلا يخلو حاله من أحد أمرين : إما أن يكون في الركعة الأولى أو في الركعة الثانية ، فإن كان سهوه في الركعة الأولى فعلى جماعتهم سجود السهو أما الطائفة الأولى فلائتمامهم به في حال سهوه ، وأما الطائفة الثانية فلدخولهم في صلاته بعد سهوه ، ولكن ينبغي للإمام أن يشير إلى الطائفة الأولى بما يعلمهم أنه قد سها إن كان سهوه خفيا حتى يسجدوا للسهو عند فراغهم : لأنهم يخرجون من الصلاة قبل خروجه فربما لم يعلموا بسهوه ، فإن كان سهوه ظاهرا لم يحتج إلى الإشارة ، فأما الطائفة الأولى فلا تحتاج معهم بحال إلى الإشارة . قال : سواء كان سهوه ظاهرا أو خفيا ؛ لأنهم يخرجون من الصلاة بخروجه فهذا حكم سهوه إذا كان في الركعة الأولى .

فأما إذا كان سهوه في الركعة الثانية فلا سجود على الطائفة الأولى لخروجهم من صلاته قبل سهوه ، وعليه وعلى الطائفة الثانية سجود السهو ، فإن قلنا : إنهم يفارقوه قبل تشهده قاموا فأتموا ما عليهم ثم سجدوا للسهو ، وإن قلنا : إنهم يفارقونه بعد تشهده فالأولى أن لا يسجد الإمام إلا بعد فراغهم ليسجدوا ومعه ، فإن سجد قبل فراغهم وفراقهم جاز وعليهم اتباعه في سجود السهو ، فإذا أتموا ما عليهم فهل عليهم إعادة سجود السهو عند فراغهم أم لا ؟ على قولين مضيا فيمن أحرم مع الإمام بعد سهوه .

فأما إن كان السهو من قبل المأمومين فذلك ضربان :

أحدهما : أن يكون من قبل الطائفة الأولى .

والثاني : أن يكون من قبل الطائفة الثانية ، فإن سهت الطائفة الأولى ، نظر فإن كان في الركعة الأولى قبل فراق الإمام فلا سجود عليهم لأنهم مؤتمون بمن يتحمل السهو عنهم ، وإن كان سهوهم في الركعة الثانية بعد فراق الإمام فعليهم سجود السهو : لأنهم سهوا ولا إمام لهم ، فعلى هذا إذا كان الإمام قد سها في الركعة الأولى قبل فراقه وسهوا هم في الركعة الثانية بعد [ ص: 470 ] فراغه ، فهل يتداخل السهوان أم يلزم لكل سهو منهما سجدتان ؟ على وجهين مضيا أصحهما قد تداخلا وعليه لهما سجدتان لا غير .

والثاني : يسجد لكل سهو منهما سجدتين لاختلاف موجبهما ، فهذا حكم سهو الطائفة الأولى ، وأما سهو الطائفة الثانية فإن كان في الركعة الأولى قبل فراق الإمام فلا سجود عليهم لأنهم خلف إمام ، وإن كان في الركعة الثانية بعد فراق الإمام فمذهب الشافعي وما عليه عامة أصحابه أنه لا سجود عليهم . وإن سها الإمام لزمهم ؛ لأنهم مقيمون على الائتمام . وقال أبو علي بن خيران : " عليهم السجود لسهوهم " .

وهذا خطأ لما ذكرنا من إقامتهم على الائتمام به .

التالي السابق


الخدمات العلمية