الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر ما وصفناه فالكلام في السنن يشتمل على فصلين :

أحدهما : في أحوال الرواة الناقلين لها .

والثاني : المتون المعمول عليها .

[ القول في أحوال الرواة ] .

فأما الفصل الأول في الرواة فيشتمل الكلام فيه على خمسة فصول :

أحدها : في صفات الراوي .

والثاني : في شروط التحمل .

والثالث : في صفة الأداء .

والرابع : في أحوال الإسناد .

والخامس : في نقل السماع .

[ القول في صفات الراوي ] .

فأما الفصل الأول : في صفات الراوي : فيعتبر فيه أربعة شروط :

أحدها : البلوغ : فإن الصغير لا يقبل قوله في الدين في خبر ولا فتيا ، لأنه لما لم يجر على قوله حكم في حق نفسه فأولى أن لا يجري عليه حكم في حق غيره .

والشرط الثاني : العقل الموقظ : ولا يقتصر على العقل الذي يتعلق به التكليف حتى ينضم إليه التيقظ والتحفظ فيفرق بين الصحيح والفاسد ليصح تمييزه .

والشرط الثالث : العدالة في الدين لأن الفاسق مردود القول فيه لقوله تعالى : " إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا " [ الحجرات : 6 ] . ولأن النفس لا تثق بخبره كما لا تثق بشهادته .

ولا يرد خبر أهل الأهواء والبدع ما لم يكفروا غيرهم ويظهروا عنادهم . قد اتهم بذلك كثير من التابعين فما ردت أخبارهم ، وشدد بعض أصحاب الحديث فمنع من قبول خبر من لا يوافقه على مذهبه وهذا مفض إلى إطراح أكثر السنن .

والشرط الرابع : أن يكون مأمون الزلل شديد اليقظة بعيدا من السهو والغفلة حتى لا يشتبه عليه الكذب بالصدق .

[ ص: 89 ] ويكون على ثقة به فقد حكي عن مالك : أنه قال : لقد سمعت من سبعين شيخا أتقرب إلى الله بأدعيتهم لا أروي عن أحد منهم حديثا ، وإنما قال هذا لأنهم كانوا أهل سلامة لا تؤمن غفلتهم وإن قويت ديانتهم .

ولا فرق بين العالم والجاهل إذا كان ضابطا قد قيل المصدر الأول روايات الأعراب وأهل البوادي ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - " رب حامل فقه إلى من هو أفقه منه " .

وهذه الشروط الأربعة تعتبر في الشهادة كاعتبارها في الخبر

[ القول في خبر الأعمى والعبد ] .

ويقبل خبر الأعمى وإن لم تقبل شهادته ، ويقبل خبر العبد وإن لم تقبل شهادته .

لأن الخبر لاختصاصه بالدين تعتبر فيه شروط المفتي ولا تعتبر فيه شروط الشاهد وفتيا الأعمى والعبد مقبولة كذلك خبرهما .

[ القول في أخبار النساء ] :

وتقبل أخبار النساء .

وامتنع أبو حنيفة من قبول أخبار النساء في الدين إلا أخبار عائشة وأم سلمة .

وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : لو كان نقص الأنوثة مانعا لعم .

والثاني : أن قبول قولهن في الفتيا يوجب قبوله في الأخبار لأن الفتيا أغلظ شروطا .

التالي السابق


الخدمات العلمية