الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : ويجمع المختلفين لأنه أشد لتقصيه وليكشف بعضهم على بعض " .

قال الماوردي : وهذا إنما يختص بالحوادث المشكلة والنوازل الملتبسة دون ما استقرت أحكامه بالنصوص أو بالإجماع أو بالقياس الذي لا يحتمل غيره ، فيجمع له المختلفين من أهل الاجتهاد ليسأل كل واحد منهم عن حكم الحادثة ودليلها ويعارض الأدلة بعضها ببعض ويكشف عن عللها وأصولها .

ولا يفوض ذلك إليهم ، حتى يجتهد فيها كاجتهادهم ، ثم يجتهد في قول كل واحد منهم وينظر فيما استدل به ويناظرهم ويناظرونه طلبا للصواب لا نصرة لقوله . فإذا وضح له الصواب بعد الكشف والنظر عمل عليه وحكم به .

وإنما لزمه أن يفعل هذا لثلاثة أمور :

[ ص: 153 ] أحدها : اقتداء بالصحابة فإن الأئمة منهم كانوا لا ينفذون الأحكام المشتبهة إلا بعد المشاورة ومسألة الناس فيما عرفوه من أحكام الرسول كما سأل أبو بكر عن ميراث الجدة ، حتى أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطاها السدس وسأل عن المجوس فأخبر عنه أنه قال " سنوا بهم سنة أهل الكتاب وكما قال عمر : رحم الله امرأ سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دية الجنين شيئا إلا قاله فأخبره حمل بن مالك أنه قضى فيه بغرة عبد أو أمة .

والثاني : أنه قد يجوز أن يخفى على الحاكم من أحكام الحوادث والنوازل ما يكون علمه عند غيره فلم يجز أن يمضي حكمه على التباس واحتمال .

والثالث : أنه مجتهد وعلى المجتهد التقصي في اجتهاده ، ومن التقصي أن يكشف بالسؤال ويناظر في طلب الصواب .

الفرق بين النظر والجدل .

وفي الفرق بين النظر والجدل وجهان :

أحدهما : أن النظر طلب الصواب ، والجدل نصرة القول .

والثاني : أن النظر هو الفكر بالقلب والعقل ، والجدل هو الاحتجاج باللسان .

الفرق بين الدليل والحجة :

وفي الفرق بين الدليل والحجة وجهان :

أحدهما : أن الدليل ما دلك على مطلوبك ، والحجة ما منعت من ذلك .

والثاني : أن الدليل ما دلك على صوابك ، والحجة ما دفعت عنك قول مخالفك .

الفرق بين النص والظاهر .

وفي الفرق بين النص والظاهر وجهان :

أحدهما : أن النص ما كان لفظه دليله ، والظاهر ما سبق مراده إلى فهم سامعه .

والثاني : أن النص ما لم يتوجه إليه احتمال ، والظاهر ما توجه إليه احتمال .

الفرق بين الفحوى ولحن القول .

وفي الفرق بين الفحوى ولحن القول وجهان :

أحدهما : أن الفحوى ما نبه عليه اللفظ ، ولحن القول ما لاح في أثناء اللفظ .

والثاني : أن الفحوى ما دل على ما هو أقوى منه ، ولحن القول ما دل على مثله .

تفرد الحاكم باجتهاده .

فإن تفرد الحاكم باجتهاده فقد أساء وقصر ، وكان حكمه نافذا إذا عمل بما أداه اجتهاده إليه ، ما لم يخالف فيه ما لا يجوز الاجتهاد معه : من نص أو إجماع أو قياس لا يحتمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية