الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : هل يحكم القاضي في التزكية بأصحاب المسائل أو بأهل الخبرة ؟ .

فإذا ثبت أنها شهادة محضة يحكم فيها بشهادة شاهدين فقد اختلف أصحابنا : هل يحكم القاضي في تعديلهم وجرحهم بأصحاب مسائله ؟ أو بمن عدلهم وجرحهم من جيرانه وأهل الخبرة بهم ؟ على وجهين :

أحدهما : أن أصحاب مسائله هم الشهود عنده بالتعديل والجرح ، وهم المتحملون عن الجيران وأهل الخبرة ما ذكروه من التعديل والجرح .

وهذا هو الظاهر من مذهب الشافعي ، وقول الأكثرين من أصحابه .

فعلى هذا يجوز أن يكون ما يسمعه أصحاب المسائل من الجيران وأهل الخبرة بلفظ الخبر دون الشهادة : لأن الشهادة مختصة بالحكام .

ولا يعتبر فيهم العدد .

ويعتبر أن يقع في نفوس أصحاب المسائل صدق المخبر فيما ذكره من تعديل وجرح فربما وقع في نفسه صدق الواحد فجاز أن يقتصر عليه وربما ارتاب بالاثنين فلزمه أن يستزيد .

ويجوز لأصحاب المسائل أن يسألوا الجار : من أين علمت تعديله وجرحه ؟ ولا يجوز للحاكم أن يسأل أصحاب المسائل من أين علمتم الجرح والتعديل ؟ .

والوجه الثاني : وهو محكي عن أبي إسحاق المروزي .

أن الذي يشهد بالتعديل والجرح هم من عرفهما من الجيران وأهل الخبرة ، ويكون أصحاب مسائله رسلهم فيها : لأن الشهادة بذلك مسموعة من أهل المعرفة الباطنة ، وهم الجيران وأهل الخبرة دون أصحاب المسائل ، ولأن شهادة أصحاب المسائل كالشهادة على الشهادة ، وهي لا تسمع مع القدرة على شهود الأصل .

[ ص: 189 ] فعلى هذا إذا جعلنا أصحاب المسائل رسل من عدل وجرح ، كان ما يذكره أصحاب مسائله خبرا يجوز أن يقتصر فيه على قول الواحد بلفظ الخبر دون الشهادة ، ويسموا للحاكم من عدل وجرح ، ثم تسمع الشهادة بالتعديل والجرح من الجيران وأهل الخبرة على شرط الشهادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية