الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : تمييز الشهود وتعيينهم .

فأما تمييز الشهود وتعيينهم من جميع الناس حتى يعتمد الحاكم عليهم ولا يسمع شهادة غيرهم كالذي عليه الناس في زماننا فهو مستحدث ، أول من فعله إسماعيل بن إسحاق القاضي ، وكان مالكيا ميز شهوده واقتصر على الحكم بشهادتهم ولم يقبل شهادة غيرهم ، وتلاه من تعقبه من القضاة إلى وقتنا ليكون الشهود أعيانا معدودين حتى لا يستشهد الخصوم بمجهول العدالة فيغرروا ولا يطمع في الشهادة غير مستحق لها فيسترسلوا .

وهذا مكروه من أفعال القضاة : لأنه مستحدث ، خولف فيه الصدر الأول .

وليس يكره أن يكون له شهود يقبلهم ، وإنما المكروه أن لا يقبل غيرهم اقتصارا عليهم : لأن في الناس من العدول أمثالهم ، فلم يجز أن يقتصر على بعض [ ص: 198 ] العدول دون بعض ، فيخص ، وقد عم الله تعالى ، ولم يخص .

ولأنه قد يتجدد للناس حقوق يشهدها من اتفق ، فإذا لم يسمع إلا شهادة معين بطلت .

ولأن في التعيين مشقة تدخل على الشاهد والمستشهد ، لمسألة الطالب وإجابة المطلوب . ولأن من قلت أمانته من الناس إذا علموا أن لا تقبل فيهم شهادة من حضرهم تجاحدوا ، وإذا لم يعلموا تناصفوا .

[ وقد يتهافت الناس في المعاصي عند الإياس من قبول شهادتهم ويمتنعون منها عند ظنهم قبول شهادتهم ] .

التالي السابق


الخدمات العلمية