الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الفصل الثالث منها ، وهو فيما يجب فيه قبول كتبه : فقد ذكرنا في عقد الباب أنه لا يقبل كتاب القاضي في الحكم إلا بشاهدين ، يتحملان الكتاب عنه ، ويشهدان به عند القاضي المكتوب إليه .

وإذا كان كذلك ، فلتحملهما الكتاب شروط ، ولأدائهما للكتاب شروط :

فأما شروط تحمله فثلاثة :

أحدها : أن يعلما ما فيه وعلمهما به يكون من أحد ثلاثة أوجه .

إما أن يقرأه القاضي عليهما ، وإما أن يأمر من يقرأه بحضرته عليهما ، وإما أن يقرأه الشاهدان عليه .

فإن لم يعلما ما فيه ودفعه القاضي إليهما مختوما ليشهدا به ، لم يجز عند الشافعي وأبي حنيفة . وجوزه أبو يوسف وهذا فاسد : لإمكان التزوير على الختم ، كإمكانه على الخط ، ولأنه تحمل شهادة ، فلم يجز إلا بمعلوم .

فإن أراد الشاهدان في الكتاب المختوم أن يشهدا بالكتاب ، ولا يشهدا بما فيه ، ففي جوازه لأصحابنا وجهان :

أحدهما : يجوز لأنها شهادة بكتاب معين .

والوجه الثاني : لا يجوز ، لأن الشهادة به لا تفيد ، لأن المقصود بها ما فيه .

ولا يجوز للمكاتب قبوله للحكم بما فيه إلا بشهادة غيرهما .

والشرط الثاني : أن يقوله القاضي لهما : هذا كتابي إلى القاضي فلان فاشهدا علي بما فيه فإن لم يقل لهما هذا كتابي إلى فلان واقتصر بهما على عنوانه لم يجز .

وإن قال لهما : هذا كتابي إلى فلان ولم يسترعهما الشهادة ولا قال اشهدا علي بما فيه ، ففي صحة التحمل والأداء بهذا القول وحده وجهان ، بناء على اختلاف أصحابنا في جواز الشهادة على المقر بالسماع من غير استدعاء المقر للشهود ، فإن قيل لا تجوز الشهادة بالسمع إلا بعد استدعائهما ، لم يصح هذا التحمل ، ولم يجز معه الأداء وإن قيل بجوازه ، جوز هذا في التحمل والأداء .

والشرط الثالث : أن لا يغيب الكتاب عنهما بعد تحمل ما فيه إلا أن يكونا قد كتبا

[ ص: 227 ] فيه شهادتهما ، ليتذكرا به صحة الكتاب ومعرفته ، فإن غاب الكتاب عنهما قبل إثبات خطهما فيه ، أو ارتابا به بعد الخط لم يصح التحمل ، إلا أن يعيد القاضي قراءته عليهما ويقول لهما : هذا هو كتابي الذي أشهدتكما علي بما فيه إلى القاضي فلان : لأنه قد يحتمل أن يبدله في الغيبة بغيره .

وأما شروط أدائه إلى القاضي المكتوب إليه فثلاثة :

أحدها : أن يستديم الثقة بصحة الكتاب ؟ وقد يكون ذلك من أحد وجهين .

إما أن لا يخرج الكتاب عن أيديهما وإما أن يكونا قد أثبتا فيه خطوطهما ، حتى يحققا علامتهما فيه ، فإن تشككا فيه لم يصح أداؤهما .

والشرط الثاني : أن يصل إلى القاضي بمشهدهما ، إما من أيديهما ، أو من يد الطالب بحضرتهما فإن لم يشاهدا وصوله لم يصح الأداء .

والشرط الثالث : أن يشهدا عند القاضي بما فيه بلفظ الشهادة دون الخبر فإن قالاه بلفظ الخبر دون الشهادة أو شهدا بالكتاب ولم يشهدا بما فيه لم يصح الأداء للحكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية