الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
نسخ الشاهدين الكتاب .

مسألة : قال الشافعي : ! وينبغي أن يأمرهم بنسخه كتابة في أيديهم ويوقعوا شهاداتهم فيه .

قال الماوردي : وهذا صحيح ، وهو الأحوط في كتب القضاة ، أن يكون الكتاب على نسختين :

إحداهما : مع الطالب مختومة والأخرى مع الشاهدين مفضوضة يتدارسانها ، ليحفظا ما فيها ، وتكون التي مع الطالب محفوظة بالختم حتى إن ضاعت إحدى النسختين ، أو كلاهما ، أمكن الشاهدان إذا حفظا ما في الكتاب أن يشهدا بما فيه .

فإن اقتصر القاضي في الكتاب على نسخة واحدة جاز ، وله فيه حالتان :

إحداهما : أن يدفع الكتاب إلى الشاهدين دون الطالب ، فيجوز وهو مخير بين ختمه وتركه والأولى أن لا يختمه إذا كان معهما ليتدارساه ويحفظا ما فيه حتى يشهدا به لفظا إن ضاع منهما .

والحال الثانية : أن يدفع القاضي الكتاب إلى الطالب دون الشاهدين ، فعلى القاضي من الاحتياط فيه أن يختمه بخاتمه وعلى الشاهدين من الاحتياط في الشهادة به أن يوقعا فيه خطهما ويختماه بختمهما ، ليكون ذلك علامة لهما في نفس الارتياب عنهما ، ويكون ختمهما في داخل الكتاب وختم القاضي على ظهره معطوفا .

فإن اقتصر الشاهدان على الخط دون الختم جاز ، وإن تركا زيادة الاحتياط . فإذا وصل الطالب والشاهدان إلى القاضي المكاتب ، تفرد الطالب بخطابه دون الشاهدين ، وكان أول كلامه مستعديا إليه ، ولم يكن مدعيا عنده ، فيقول : أنا أستعديك على فلان في حق لي عليه ، أو في يده وقد منعني منه .

ويجوز أن يقتصر على هذا القول ، ولا يذكر الكتاب ولا حضور الشهود ولا يصف الحق ولا يذكر قدره ؛ لأنه مجلس استعداء وليس مجلس دعوى ، ويسأله إحضار خصمه .

[ ص: 229 ] فإذا حضر جدد الطالب الدعوى ، ووصفها ، وسأل القاضي الخصم المطلوب عنها .

فإن اعترف بها ، وأقر لم يحتج الطالب إلى إيصال الكتاب ، وحكم له بإقرار المطلوب .

وإن أنكر عرفه الطالب أن حقه عليه قد ثبت عند القاضي فلان وهذا كتابه إليك بثبوته عنده ، وكان الطالب هو المباشر لتسليم الكتاب من يده إلى القاضي ويذكر له حضور شهوده .

فإذا وقف القاضي على عنوانه وختمه ، سأل الشاهدين عنه قبل فضه سؤال استخبار لا سؤال شهادة .

فإذا أخبراه أنه كتاب القاضي إليه فضه وقرأه .

والأولى أن يفضه ويقرأه بمحضر من الخصم المطلوب فإن قرأه بغير محضر منه جاز .

ومنع أبو حنيفة من جواز فضه وقراءته قبل حضور الخصم المطلوب .

وهذا عندنا عدول عن الأولى ، وليس بعدول عن الواجب ، لأنه لا يتعلق بالقراءة حكم ولا إلزام ويبنيه أبو حنيفة على أصله في المنع من القضاء على الغائب .

فإذا قرأه القاضي سأل الشاهدين عما فيه سؤال استشهاد لا سؤال استخبار ، لأن بهذه الشهادة يجب الحكم بما في الكتاب .

ولا يجوز أن يكون هذا إلا عند حضور الخصم المطلوب لأنها شهادة عليه بحق وجب عليه .

وهذا بخلاف الأول ؛ لأن الأول استخبار كانا فيه مخيرين ، والثاني استشهاد كانا فيه شاهدين . ويجوز أن يكون الخصم غائبا عند الاستخبار ويجب أن يكون حاضرا عند الاستشهاد .

فلو اقتصر القاضي على الاستشهاد دون الاستخبار جاز ، ولو اقتصر على الاستخبار دون الاستشهاد لم يجز لاختصاص الحكم بالشهادة دون الخبر .

والأولى بالقاضي أن يجمع بينهما ، على ما وصفنا ليكون الاستخبار لاستباحة قراءته والاستشهاد لوجوب الحكم به .

[ ص: 230 ] شهادة النساء في تحمل كتب القضاة .

ولا يقبل في تحمل كتب القضاة وأدائها شهادة النساء ، وإن تضمنت من الحقوق ما تقبل فيها شهادة النساء .

وجوز بعض العراقيين قبول شهادتهن فيها إذا تضمنت ما تقبل فيه شهادتهن من الأموال .

وهذا زلل ، من وجهين :

أحدهما : أنها شهادة بحكم وليست بمال .

والثاني : أنها مجراة مجرى الشهادة على الشهادة التي لا يقبلن فيها ، فلم يقبلن فيما أجري مجراها .

تنفيذ حكم الكتاب .

فإذا تمت الشهادة عند القاضي بصحة الكتاب وقبله بالشاهدين ، وقع بخطه فيه بالقبول وحكم به على الخصم المطلوب .

فإن كان الكتاب بملك عين قائمة ، من أرض أو دار ، جاز أن يعيد الكتاب إلى الطالب المستحق لها ليكون حجة باقية في يده .

فإن سأله الطالب الإشهاد على نفسه فيه بقبوله ، والحكم بمضمونه ، لزمه الإشهاد به على نفسه .

وإن كان الكتاب بدين في الذمة فاستوفاه القاضي لطالبه ومستحقه لم يجز أن يعيد الكتاب إلى الطالب : لأنه قد سقط حقه فيه باستيفاء له .

التالي السابق


الخدمات العلمية