الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فإذا تقرر أن أخذ الأجرة على القسمة جائز ، وإن لم يجز أخذها عن الحكم فالكلام عنها يشتمل على فصلين :

أحدهما : عدد القسام .

والثاني : حكم الأجرة .

فأما عدد القسام فللقسمة حالتان :

أحدهما : أن يتراضى بها المقتسمون .

والثانية : أن يأمر بها الحكام .

[ ص: 247 ] فإن تراضوا بها حملوا في العدد على ما اتفقوا عليه من واحد أو اثنين كما حملوا فيه على اختيارهم للقاسم ، وإن لم يكن مختارا ولا يقبل الحاكم قول هذا القاسم : لأنه ليس بتائب عنه ولا يسمع شهادته : لأنه شاهد على فعله .

وإن أمر الحاكم بالقسمة وخرجت عن حكم الاختيار ففي القسمة تعديل وحكم ، والتعديل معتبر باثنين كالتقويم ، ولا يعول في التقويم إلا على قول مقومين ، والحكم فيه قول واحد كالحاكم .

فينظر في القسمة : فإن كان فيها تعديل وتقويم لم يجزئ فيها أقل من قاسمين .

وإن لم يكن فيها تعديل ولا تقويم فقد قال الشافعي في موضع أمر الحاكم : الشركاء إن يجتمعوا على قاسمين ، فظاهر هذا أنه لا يجزئ قاسم واحد .

وقال في غيره إن القاسم حاكم فظاهره أنه يجزئ قاسم واحد .

واختلف أصحابنا كما اختلفوا في الخرص فخرجه أكثرهم على قولين :

أحدهما : أنه يجزئ قاسم واحد ، كما يجزئ كيال واحد ، ووزان واحد .

والقول الثاني : لا يجزئ أقل من قاسمين ، كما لا يجزئ أقل من مقومين ، وكما لا يجزئ في جزاء الصيد أقل من مجتهدين ولا يمتنع إذا كان القاسم كالحاكم أن يجمع فيه بين اثنين كما قال تعالى : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها . وقال آخرون من أصحابنا : ليس ذلك على قولين ، وإنما هو على اختلاف حالين : وهو إن كان في الشركاء طفل ، أو غائب ، لا يجيب عن نفسه لم يجز أقل من قاسمين ، وإن كانوا حضورا يجيبون عن أنفسهم أجزأ قاسم واحد ، ويقبل الحاكم قول القاسم هاهنا ، لاستنابته له كما يقبل قول خلفائه فإن جازت بقاسم واحد قيل فيها قول الواحد ، وإن لم تجز إلا بقاسمين لم يقبل قول الواحد وقبل قول الاثنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية