الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : [ امتناع بعض الشركاء من القسمة في ما تدخله قسمة الإجبار ] .

فأما ما تدخله قسمة الإجبار في الدور والأرضين إذا دعا بعض الشركاء إلى القسمة وامتنع بعضهم منها فهو على ثلاثة أقسام :

أحدها : أن لا يستضر بالقسمة واحد منهم ، وينتفع بما حازه مقسوما ، كانتفاعه به [ ص: 251 ] مشتركا ، فيجاب طالب القسمة إليها ، ويجبر الممتنع عليها لأمرين :

أحدهما : ليتصرف على اختباره .

والثاني : ليأمن اختلاط الأيدي وسواء المشاركة .

والقسم الثاني : أن يستضر كل واحد منهم بالقسمة ، وكثرة السهام ، وذهاب منافعها بافتراق الجزاء وحصول منافعها باجتماعها ، فتصير كقسمة ما لا يدخله الإجبار من البئر والحمام والرحى والسيف ، فلا تقسم بينهما جبرا لدخول الضرر على جميعهم .

ويكون القول في القسمة قول الممتنع منها وهو مذهب جمهور الفقهاء .

وقال مالك : القول فيها قول طالب القسمة ، ويجبر الممتنع عليها مع دخول الضرار على الطالب والمطلوب ؛ لينفرد بملكه ويده

ودليلنا : ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا ضرر ولا ضرار ومن ضار أضر الله ومن شاق شق الله عليه "

وروي عنه عليه السلام أنه " نهى عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال "

ولأن ما عم الضرر بقسمه سقط عنه الإجبار على القسمة كالجوهرة .

والقسم الثالث : أن يستضر بالقسمة بعض الشركاء دون بعض . فقد اختلف الفقهاء في حكم الإجبار عليها على مذاهب .

فقال مالك : يجبر عليها من امتنع منها .

وقال أبو ثور : لا يجبر .

وقال ابن أبي ليلى : يباع ويقسم الثمن بينهما .

وعلى مذهب الشافعي وأبي حنيفة إن كان طالب القسمة منتفعا أجبر عليها الممتنع وإن استضر ؛ لما قدمناه من العلتين :

إحداها : كمال تصرفه على اختياره

والثاني : انفراد يده من سوء المشاركة .

فأما إن كان طالب القسمة هو المستضر بها ، والمطلوب هو المنتفع بها فقد اختلف أصحابنا في إجابة الطالب إليها ، وإجبار المطلوب عليها ، على وجهين :

أحدهما : يجبر على القسمة لانتفاء الضرر عن المطلوب .

والوجه الثاني : لا يجبر عليها لدخول الضرر على طالبها .

واختلف أصحابنا فيما يعتبر به دخول على وجهين :

[ ص: 252 ] أحدهما : وهو قول أبي حنيفة والظاهر من مذهب الشافعي : أنه نقصان المنفعة ولا اعتبار بنقصان القيمة .

والوجه الثاني : أنه يعتبر بكل واحد من نقصان المنفعة ، أو نقصان القيمة .

وهو أشبه ؛ لأن في كل واحد منهما ضررا .

التالي السابق


الخدمات العلمية