الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ قسمة ما اختلفت أجزاؤه من الأرض وقسمة التعديل والرد ] .

مسألة : قال الشافعي : " فإذا كان في القسم رد لم يجز حتى يعلم كل واحد منهم موضع سهمه وما يلزمه ويسقط عنه وإذا علمه كما يعلم البيوع التي تجوز أجزأته لا بالقرعة " .

قال الماوردي : اعلم أن الأرض المشتركة ضربان :

أحدهما : أن تكون متساوية الأجزاء ، وهي التي تدخلها قسمة الإجبار ، وقد مضى حكمها ، وذكرنا كيف تقسم .

والضرب الثاني : أن تكون مختلفة الأجزاء ، فيكون بعضها عامرا ، وبعضها خرابا ، أو بعضها قويا ، وبعضها ضعيفا ، أو يكون في بعضها شجر وبناء ، وليس في الباقي شجر ولا بناء أو يكون في بعضها شجر بلا بناء وفي الباقي بناء بلا شجر أو يكون على بعضها مسيل ماء ، أو طريق " سابل " وليس على الباقي طريق ولا مسيل ، إلى ما جرى هذا المجرى من اختلاف أجزائها به .

فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يمكن تساوي الشريكين بالقسمة في جيده ورديئه ، مثل أن يكون الجيد في مقدمها والرديء في مؤخرها ، وإذا قسمت بينهما نصفين صار إلى كل واحد منهما من الجيد والرديء مثل ما صار لصاحبه من الجيد والرديء ، فهذه تدخلها قسمة الإجبار ، وتصير في القسمة كالمتساوية الأجزاء .

[ ص: 256 ] والضرب الثاني : أن لا يمكن تساويهما في الجيد والرديء ؛ لأن العمارة في أحد النصفين دون الآخر ، أو لأن الشجر والبناء في أحد النصفين دون الآخر ، فقسمة مثل هذا قد تكون على أحد أربعة أضرب :

أحدها : أن تقسم قسمة تعديل بالقيمة على زيادة الذرع : مثاله : أن تكون الأرض ثلاثين جريبا بين شريكين نصفين وتكون عشرة أجربة من جيدها بقيمة عشرين جريبا من رديئها ، فيقسم بينهما على فضل الذرع فيجعل أحد السهمين عشرة أجربة ، لفضل جودته ، والسهم الآخر عشرين جريبا ، لنقص رداءته .

ففي دخول الإجبار في هذه القسمة قولان :

أحدهما : أنه لا إجبار فيها لتعذر التساوي في الذرع وتكون موقوفة على التراضي .

والقول الثاني : واختاره أبو حامد الإسفرايني : أنه تدخلها قسمة الإجبار لوجود التساوي في التعديل .

فعلى هذا فيما يستحقه القاسم من أجرته وجهان :

أحدهما : أنها على الشريكين نصفين ، لتساويهما في أصل الملك .

والوجه الثاني : أن على صاحب العشرة الأجربة ثلثها ، وعلى صاحب العشرين ثلثيها لتفاضلهما في المأخوذ بالقسمة .

والضرب الثاني : أن تقسم قسمة رد مع التساوي في الذرع ، مثاله : أن يكون الشجر والبناء في جانب من الأرض ، فيقسم الأرض بينهما نصفين بالسوية ، ويجعل الشجر والبناء قيمة ، فإن كانت قيمته ألف درهم ، وجب على من صار له جانب الشجر والبناء خمسمائة درهم يدفعها إلى صاحبه .

فهذه القسمة ، قسمة مراضاة لا يدخلها الإجبار : لأن دخل الرد بالعوض يجعلها بيعا محضا ، وليس في البيع إجبار .

ولهما في هذه القسمة أربعة أحوال :

أحدها : أن يتراضيا بهذه القسمة ويتفقا على من يأخذ الأعلى ويرد ، ومن يأخذ الأدنى ويسترد ، فقد تمت القسمة بينهما بالمراضاة بعد تلفظهما بالتراضي : لأن البيع لا يصح إلا باللفظ ويكون تلفظهما بالرضى جاريا مجرى البدل والقبول ، ولهما خيار المجلس ما لم يفترقا وإن شرطا في حال الرضا خيار ثلاث كان لهما .

وقال مالك : إن كان الرد فيها قليلا صحت ، وإن كان كثيرا بطلت .

[ ص: 257 ] وهي عندنا مع قليل الرد وكثيره جائزة : لأنها معتبرة بالتراضي وجارية مجرى البيع .

والحال الثانية : أن يتنازعا في طلب الأعلى ويتزايدان أو يتنازعا في طلب الأدنى ويتناقصان ، ثم يستقر الأمر بينهما بعد الزيادة والنقصان على من يأخذ الأعلى ويرد ، ومن يأخذ الأدنى ويسترد ، فتتم هذه القسمة بينهما بالمراضاة ، ويبطل بها ما تقدم من تقويم القاسم ، بما استقر بينهما من الزيادة عليها أو النقصان فيها ثم الخيار على ما قدمناه .

والحال الثالثة : أن يتنازعا في طلب الأعلى ، فيطلبه كل واحد من غير زيادة ، أو يتنازعا في أخذ الأدنى ، فيطلبه كل واحد منهما من غير نقصان ، ولا يتراضيا فيه بالقرعة ، فلا إجبار على واحد منهما ويقطع النزاع بينهما وتصير الأرض باقية بينهما على الشركة كالشيء الذي لا يدخله القسم .

والحال الرابعة : أن يتنازعا ويتراضيا بالقرعة .

ففي جواز الإقراع بينهما وجهان :

أحدهما : لا يجوز : لأنه بيع وليس في البيع إقراع .

والوجه الثاني : يجوز الإقراع بينهما تغليبا لحكم القسمة واعتبارا بالمراضاة .

فعلى هذا إن كان القاسم من قبل الحاكم ، فلا خيار لهما بعد القرعة ، وإن كان القاسم من قبلهما ثبت لهما بعد القرعة خيار . وفيه وجهان :

أحدهما : أنه كخيار العيب معتبر بالفور .

والثاني : أنه خيار مجلس يعتبر بالافتراق .

والضرب الثالث : من ضروب القسمة أن تقسم الأرض بينهما نصفين بالسوية ، ويكون ما فيها من الشجر والبناء على الشركة .

فإن تنازعا في هذا ، ولم يتفقا عليه ، لم يقع فيه إجبار وإن تراضيا به واتفقا عليه ، دخل في الأرض قسمة الإجبار ما كانا مقيمين على هذا الاتفاق ، وقسمت بينهما جبرا بالقرعة .

وإن رجع أحدهما عن الاتفاق زالت قسمة الإجبار وكانت موقوفة على التراضي .

الضرب الرابع : أن يقسم بياض الأرض بينهما بالسوية ويكون ما فيه الشجر والبناء بينهما على الشركة .

ففي حكم هذه الأرض إذا تميز بناؤها وشجرها عن بياضها وجهان :

[ ص: 258 ] أحدهما : أن حكمها حكم أرض واحدة لاتصالها ، فعلى هذا لا تدخلها قسمة الإجبار في بياضها ؛ لأنه لا يدخلها في شجرها ونباتها .

والوجه الثاني : أن حكم شجرها وبنائها متميز عن حكم بياضها ، فصارتا باختلاف الصفتين كالأرضين المفترقتين ، فتدخلها قسمة الإجبار في البياض ، كما لو انفرد ولا تدخلها قسمة الإجبار في الشجرة والبناء كما لو انفرد .

التالي السابق


الخدمات العلمية