الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
قسم الطعام وغيره

فصل : وأما قسم الطعام : فكل مطعوم طعام ، وفي المطعوم ربا ، وهو على ضربين :

أحدهما : أن يكون مما يجوز بيع بعضه ببعض ، كالحنطة والشعير فيجوز قسمه إجبارا واختيارا .

فإن قيل : إن القسمة إفراز حق جاز قسمه كيلا أو وزنا ، وجاز أن يفترقا فيه قبل التقابض .

وإن قيل : إن القسمة بيع ، وجب قسمه كيلا ، ولم يجز قسمه وزنا : لأن أصله الكيل ، ووجب إن تقابضا قبل الافتراق .

وتدخل القرعة في قسمه إجبارا ، ولا تدخل في قسمه اختيارا .

وإن كان مما لا يجوز بيع بعضه ببعض ، كرطب ، والعنب ، والفواكه الرطبة ، فإن قيل : إن القسمة إفراز حق ؛ جاز قسمه إجبارا واختيارا بكيل أو وزن .

وفي جواز قسمه بالخرص في نخله وشجره ، قولان :

أحدهما : جوازه .

والثاني : بطلانه .

وأصح من إطلاق هذين القولين أن يمنع منه بالخرص في قسمة الإجبار ، لأن المقصود بها التحقيق المعدوم في الخرص ، ويجاز بالخرص في قسمة الاختيار لأنها محمولة على التراضي ، هذا إذا قيل إن القسمة إفراز حق .

فأما إن قيل إن القسمة بيع ، لم تجز قسمة الثمار الرطبة كما لم يجز بيعها ، فلا يدخلها قسم الإجبار ولا قسم الاختيار .

وأما قسم الدراهم والدنانير ، فيجوز إجبارا واختيارا .

وهل يعتبر في قسمها تقابضهما قبل الافتراق على قولين :

أحدهما : لا يعتبر إن قيل : إن القسمة إفراز حق .

والثاني : يعتبر إذا قيل إنها بيع .

[ ص: 269 ] فأما قسمة الحديد والنحاس فإن كان غير مصنوع جاز قسمه إجبارا واختيارا ولم يعتبر فيه التقابض قبل الافتراق .

وإن كان مصنوعا ، أواني أو سيوفا فإن اختلفت وتفاضلت ، قسمت اختيارا ولم تقسم إجبارا .

وإن تشابهت وتماثلت ، ففي قسمها إجبارا وجهان كالحيوان والثياب .

وأما قسمة الدين فلا يخلو أن يكون على غريم واحد أو على غرماء .

فإن كان على غريم واحد ، فقسمته فسخ الشركة فيه .

فإذا فسخت انقسم الدين في ذمة الغريم وصار لكل واحد من الشركاء قدر حقه منه ، ويجوز أن ينفرد باقتضائه وقبضه .

ولو كانت الشركة باقية على حالها لم تفسخ لم يجز لأحد الشركاء فيه أن ينفرد باقتضائه وقبضه منه ، وكان ما قبضه مشتركا بينهم أن قبضه عن غير إذنهم .

وإن أذنوا له في قبض حقه منه جاز ، وكان إذنه له في قبض حقه فسخا لشركته .

ولا وجه لمن خرجه على قولين ، كالمكاتب إذا أدى إلى أحد الشريكين مال كتابته بإذن شريكه ، أنه على قولين ، لوقوع الفرق بينهما ، بثبوت الحجر على المكاتب ، وعدمه في الغريم .

وإن كان الدين على جماعة غرماء ، فيختص كل واحد من الشريكين بما على كل واحد من الغرماء ، لم يجز قسم ذلك إجبارا ، لأن الغرماء قد يتفاضلون في الذمم واليسار .

وفي جواز قسمه اختيارا قولان :

أحدهما : يجوز ، إذا قيل إن القسمة إفراز حق .

والثاني : لا يجوز إذا قيل إن القسمة بيع .

ووجه صحتها على هذا القول ، أن يحيل كل واحد منهم لأصحابه بحقه على الغريم الذي لم يختره ، ويحيلوه بحقوقهم على الغريم الذي اختاره ، فيتعين ذلك بالحوالة دون القسمة .

التالي السابق


الخدمات العلمية