الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والقسم الثاني آداب القضاة مع الشهود : فمن آدابهم معهم ، إذا تميزوا وارتسموا بالشهادة ، أن يكون مقعدهم في مجلسه متميزا عن غيرهم بالصيانة ، ولا يساويه واحد منهم في مقعده ، ولا فيما تخصص به من سواده ، وقلنسوته ، ليتميز للخصوم القاضي من شهوده .

[ ص: 274 ] وينبغي أن يختص الشهود في ملابسهم بما يتميزون به عن غيرهم ليتميزوا لمن يشهدهم ويستشهدهم ، كما تميز القاضي عنهم .

ويسلموا على القاضي بلفظ الرياسة عليهم ، ويرد عليهم القاضي مجيبا أو مبتدئا على تماثل وتفاضل .

ويقدم بعضهم على بعض في المجلس والخطاب ، بحسب ما يتميزون به من علم أو فضل ، بخلاف الخصوم ، الذي تلزمه التسوية بين جميعهم ، وإن تفاضلوا .

فإن حضروه في غير مجلس الحكم ، جلسوا في مقاعدهم المعروفة في مجلسه ، ورتبهم فيه على اختياره ، وقطع تنافسهم فيه ، فإن التنافس موهن للعدالة .

فإن تنافسوا في التقدم في أداء الشهادة كان قدحا في عدالتهم كالتمانع في أدائها .

وإن تنافسوا في التقدم في الجلوس لم يقدح في عدالتهم ، ما لم يتنابذوا .

ويجوز في غير مجلس الحكم أن يحادثهم القاضي ويحادثوه ، ويؤانسهم ويؤانسوه بما لا تنخرق به الحشمة ، ولا تزول معه الصيانة .

فأما حضورهم في مجلس الحكم فعليه وعليهم من التحفظ والانقباض فيه أكثر مما عليهم في غيره .

فإن أحب القاضي أن يفردهم عن مجلسه ، في موضع معتزل ليستدعوا منه لإقامة الشهادة كان أولى ، وكانوا منه بمنظر ومسمع وخص منهم شاهدين بمجلسه ليشهدا ما يجري من الدعاوى والأحكام .

وإن أحضرهم جميعا في مجلسه جاز ، وكانت ميمنة مجلسه أولى بهم من ميسرته ، فإن افترقوا في الميمنة والميسرة جاز وإن كان اجتماعهم أولى .

ويكون جلوس الكاتب في مجلسه بحيث يواجه القاضي ويشاهد الخصوم ويجمع بين سماع كلامه وكلامهم ، وجلوسه في الميسرة أولى به من الميمنة ، لأن حاجة القاضي في الإقبال عليه أكثر منها مع الشهود ، وإقباله على ميسرته أسهل عليه من إقباله على ميمنته .

وينبغي للقاضي أن يكف عن محادثة الشهود ، ويكفوا عن محادثته ، ويكون كلام القاضي لهم مقصورا على الإذن في الشهادة ، وكلامهم له مقصورا على أداء الشهادة ويغضوا عنه أبصارهم .

ولا يلقنهم شهادة ، ولا يتعنتهم فيها ، ولا يسألهم عن سبب تحملها .

فإن أخبروه بسبب التحمل كان أولى إن تعلق به فضل بيان وزيادة استظهارا [ ص: 275 ] وكان تركه أولى إن لم يفد ، ولا ينبغي للقاضي أن يستدعيهم للشهادة ، ولا ينبغي لهم أن يبدأوا بها إلا بعد استدعائهم لها .

والذي يجب فيه أن يستأذن المشهود له القاضي في إحضار شهوده .

فإذا أذن له أحضرهم ، وقال لهم القاضي بم تشهدون ؟ على وجه الاستفهام ، ولم يقل لهم اشهدوا ، فيكون أمرا .

ويكون القاضي فيه بالخيار بين أن يقول ذلك للشاهدين فيتقدم من شاء منهما بالشهادة ، ولا يحتاج الثاني إلى إذن بعد الأول ، وبين أن يقول ذلك لأحدهما فيبدأ بالشهادة ، ولا يكون للآخر أن يشهد إلا بعد إذن آخر .

ولو بدأ الأول فاستوفى الشهادة ، وقال الثاني : أشهد بمثل ما شهد به ، لم تصح شهادته ، حتى يستوفيها لفظا كالأول ، لأنه موضع أداء وليس موضع حكاية .

التالي السابق


الخدمات العلمية