الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولا أكره البراز قد بارز عبيدة وحمزة وعلي بأمر النبي صلى الله عليه وسلم " .

قال الماوردي : وهذا صحيح أما إذا استدعى المشرك البراز فلا بأس أن يبارزه من المسلمين من يعلم من نفسه قوة عليه قد برز أبي بن خلف الجمحي يوم أحد وقال : ليبرز إلي محمد فإني قد حلفت أن أقتله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " بل أنا أقتلك " . وبرز النبي صلى الله عليه وسلم إليه فرماه بحربة في صدره فخدشه بها فمات منها ، فقيل له وهو يجود بنفسه أيقتلك بمثل هذا الخدش فقال - والله لو تفل علي لقتلني .

فأنزل الله تعالى : وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى
[ الأنفال : 17 ] . وروي أن عتبة بن أبي ربيعة وشيبة بن ربيعة ، والوليد بن عتبة استدعيا البراز يوم بدر ، فبرز إليهم ثلاثة من الأنصار ، فقالوا : من أنتم ؟ فقالوا : الأنصار . قالوا : ما نعديكم ، ليقم إلينا أكفاؤنا ، فبرز حمزة بن عبد المطلب إلى عتبة بن ربيعة فقتله ، وبرز علي رضي الله عنه ، إلى الوليد بن عتبة فقتله .

وبرز عبيدة بن الحارث إلى شيبة بن ربيعة فقتله ، وقطع شيبة رجل عبيدة وخلص حيا فمات بالصفراء بين بدر والمدينة ، وروي أن علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه ، بارز عمرو بن ود العامري بيوم الأحزاب فقتله ، وقد كان أكثر قتال الأنصار فرسانا ورجالة وأما إذا بدا الرجل [ ص: 481 ] المسلم فاستدعى البراز فمن أصحابنا من كره ذلك لما روي أن علي بن أبي طالب قال : لا تبرزن محمدا ولا تدعون إلى البراز ، فإن دعيت فأجب فإن الداعي باغ والباغي بمصروع .

ومنهم من لم يكرهه ؛ لأن أكثر ما فيه أن يكون معرضا نفسه للشهادة ، وذلك مباح ، قد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على القتال يوما وشوق إلى الجنة فقام رجل فقال : يا رسول الله ، إن أنا خرجت فقاتلت حتى أقتل صابرا محتسبا أيحجزني عن الجنة شيء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : لا إلا الدين قال : فخرج فانغمس في العدو فقاتل حتى قتل وحكي عن أبي حنيفة : أنه كره البراز داعيا ومجيبا .

التالي السابق


الخدمات العلمية