الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : ما يكتبه القاضي من محاكمة الخصمين .

والفصل الثاني : فيما يكتبه القاضي من محاكمة الخصمين ، ولهما حالتان :

إحداهما : أن يسألاه الكتابة .

والثاني : أن لا يسألاه .

فإن لم يسألاه إياها كان القاضي مندوبا إلى إثبات محاكمتها في ديوانه ، مشروحة بما انفصلت عليه من إلزام أو إسقاط احتياطا للمتحاكمين .

ووجوب ذلك عليه معتبر بالحكم ، فإن كان مما قد استوفى وقبض لم يجب عليه إثباته وكان بإثباته مستظهرا .

وإن كان فيما لم يقبض ولم يستوف ، فإن كانت الحال لاشتهارها لا ينسى مثلها [ ص: 295 ] لم يجب إثباتها إلا على وجه الاستظهار ، وإن جاز أن ينسى مثلها ووجب عليه إثباتها ليتذكر بخطه ما حكم وألزم بأنه كفيل ليحفظ الحقوق على أهلها فالتزم بذلك ما يؤول إلى حفظها .

وإن سأله الخصم أن يكتب له ما حكم به ليكون حجة بيد . فالذي يكتبه القاضي كتابان :

أحدهما : محضر .

والثاني : سجل .

والمحضر : حكاية الحال ، والسجل : حكاية المحضر ، مع زيادة إنفاذ الحكم به .

والذي يشتمل عليه المحضر من حكاية الحال يتضمن أربعة فصول :

أحدها : صفة الدعوى ، بعد تسمية المدعي والمدعى عليه .

والثاني : ما يعقبها من جواب المدعى عليه من الإقرار والإنكار .

والثالث : حكاية شهادة الشهود على وجهها فإن حكى شهادة أحدهما وإن الآخر شهد بمثل شهادته جاز بخلاف ما لو قاله الشاهد في أدائه ونكره في المحضر لمنعنا منه في الأداء .

والرابع : ذكر التاريخ في يوم الحكم من شهره وسنته ، ولو ضم إليه ذكر ما أداه الشهود من تاريخ التحمل كان حسنا ، وإن تركه قضاة زماننا .

وأما السجل فيتضمن ستة فصول :

أحدها : تصديره بحكاية إشهاد القاضي بجميع ما فيه .

والثاني : حكاية ما تضمنه المحضر من الفصول الأربعة .

والثالث : حكاية إمهال القاضي المشهود عليه ليأتي بحجة يدفع بها ما شهد عليه ، فعجز عنها ولم يأت بها .

والرابع : إمضاء الحكم للمشهود له وإلزامه المشهود عليه بعد مسألة الحاكم .

والخامس : إشهاد القاضي على نفسه بما حكم به وأمضاه من ذلك .

والسادس : تاريخ يوم الحكم والتنفيذ .

فإذا استكمل السجل بهذه الفصول الستة ، بالألفاظ المعهودة فيه ، جعله على نسختين علم القاضي فيهما بعلامته المألوفة بخطه ليتذكر بها حكمه إذا عرض عليه وأشهد فيهما على نفسه ، وسلم إحداهما للمحكوم له ووضع الأخرى في ديوانه حجة يقابل بها سجل الخصم إن أحضره من بعد ، ولا يحتاج مع نسخة السجل الموضوعة في ديوانه إلى إثبات ما حكم به في ديوانه وأغناه السجل عن إثباته ولو استظهر بإثبات اسم السجل فيه كان أحوط .

[ ص: 296 ] فأما تسمية الشهود الذين حكم بشهادتهم في المحضر والسجل فقد ذكرنا اختلاف الناس في الأولى منه مع اتفاقهم على جواز الأمرين .

فرأى أكثر أهل العراق أن ترك تسميتهم أولى وهو أحوط للمشهود له .

واختاره أبو سعيد الإصطخري من أصحابنا .

ورأى أكثر أهل الحجاز أن تسميتهم فيه أولى ، وهو أحوط للمشهود عليه مما لعله يقدر عليه من جرحهم ، واختاره أبو العباس بن سريج من أصحابنا .

ولو أن القاضي عدل عن كتب السجل إلى أن زاد في المحضر إنفاذ حكمه وإمضائه بعد إمهال المشهود عليه بما يدفع به الشهادة ، فلم يأت بها وعلم فيه وأشهد به على نفسه جاز .

التالي السابق


الخدمات العلمية