الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : القضاء على الغائب مخصوص ببعض الحقوق .

فإذا ثبت بما ذكرنا جواز القضاء على الغائب فهو مخصوص بحقوق الآدميين .

فأما حقوق الله تعالى التي تدرأ بالشبهات فلا يجوز القضاء بها على غائب كحد الزنا وحد الخمر لاتساع حكمها بالمهلة .

فإن كان مما يجمع فيه بين حق الله تعالى وحق الآدمي كالسرقة قضي على الغائب بالغرم ولم يقض عليه بالقطع إلا بعد حضوره .

ما على القاضي في الاستعداء إليه .

فإذا صحت هذه الجملة وجب أن نصف ما على القاضي في الاستعداء إليه والتحاكم عنده .

فإذا تشاجر خصمان في حق ودعا أحدهما صاحبه إلى الحضور معه عند الحاكم [ ص: 301 ] وجب عليه إجابته والحضور لمحاكمته لقول الله تعالى : إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا .

فإن امتنع وحضر الطالب مستعديا إلى القاضي على خصمه لم يخل حال الخصم من أن يكون حاضرا في بلد القاضي أو غائبا عنه .

الخصم الحاضر في بلد القاضي .

فإن كان حاضرا في بلده : وجب على القاضي إعداء المستعدي وإحضار خصمه لمحاكمته قبل سماع الدعوى وتحريرها ، سواء عرف أن بينهما معاملة أو لم يعرف .

وقال مالك : لا يجوز أن يحضره إذا كان من أهل الصيانة إلا أن يعلم أن بينهما معاملة أو خلطة فيحضره . وإن لم يعلمها لم يحضر احتجاجا بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : " لا يعدي الحاكم على خصم إلا أن يعلم بينهم معاملة " ولا مخالف له .

ولأن فيه استبدال أهل الصيانة بما لا يعلم استحقاقه ، فوجب حفظ صيانتهم إلا بموجب .

ودليلنا وهو قول الجمهور ما رواه النضر بن شميل ، عن الهرماس بن حبيب ، عن أبيه ، عن جده أنه استعدى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل في حق له فقال له : الزمه .

ولم يستعلم ما بينهما من المعاملة فدل على عموم الإعداء في الجميع .

ولأن الحقوق قد تثبت تارة عن معاملة وتارة عن غير معاملة كالغصوب والجنايات فلم يجز أن تجعل المعاملة شرطا في الإعداء .

ولأن الحقوق لا يجوز أن تضاع لحفظ الصيانة ، وإن لم يكن في الحضور للمحاكمة استبدال للصيانة . وقد قاضى عمر أبيا إلى زيد بن ثابت وقاضى علي يهوديا إلى شريح .

والخبر المروي عن علي غير ثابت ولو ثبت لكان القياس أقوى والعمل به أولى .

وعلى أنه يجوز للقاضي في أهل الصيانة أن يفردهم عن مجلس العامة وينظر بينهم في منزله ، بحيث يحفظ به صيانتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية