الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والفصل الثاني في سؤال المدعى عليه .

والأولى فيه أن يسأل المدعي القاضي بعد استيفاء دعواه مطالبة خصمه بما ادعاه عليه .

[ ص: 308 ] فللقاضي حينئذ أن يسأل المدعى عليه ، فيقول : قد سمعت ما ادعاه عليك فما تقول فيه ؟

فإن أجاب بإقرار أو إنكار كان جوابا مقنعا .

ولو قدم المدعى عليه جواب الدعوى قبل سؤاله عنها ، فإن كان جوابه إقرارا أخذ به ، وصار القاضي فيه حاكما بعلمه .

فإن أجزأه ذلك أمسك عن سؤاله لاعترافه بالمراد منه .

وإن منع من الحكم بعلمه صار شاهدا فيه ، ولم يجز أن يحكم به عليه إلا أن يقر بعد سؤاله ، ويكون وجوب سؤاله باقيا .

وإن كان جوابه إنكارا لم يقنع وسئل عن الجواب ، حتى يكون إنكاره بعد السؤال ، فيصح منه الجواب ؛ لأن ما تقدم على السؤال لا يكون جوابا .

فإن بدأ القاضي بسؤال المدعى عليه ، من غير أن يطالبه المدير بسؤاله ، ففي جوازه وجهان لأصحابنا :

أحدهما : لا يجوز سؤاله لأنه من حقوق المدعي ، فلم يجز أن ينفرد به القاضي ويكون السؤال لغوا يعتد فيه بإقرار المدعى عليه ولا يعتد فيه بإنكاره كما لو ابتدأ بالجواب قبل السؤال .

والوجه الثاني : يجوز هذا السؤال ويصح ما يعقبه من الجواب : لأن شاهد الحالة يدل على إرادة المدعي لسؤاله ، فأغنى ذلك عن سؤاله .

ولو أن المدعي تفرد بسؤال المدعى عليه لم يلزم الجواب عنه ، حتى يكون القاضي هو السائل له ، فيلزمه الجواب لأن حق المدعي مختص بالمطالبة دون السؤال .

فإن أجابه المدعى عليه عن سؤاله بإقرار أو إنكار ، فهل يقوم سؤاله مقام سؤال القاضي أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : يقوم مقام سؤاله ، إذا قيل : إن القاضي لا يسأله إلا بعد مطالبة المدعي بالسؤال ، فعلى هذا يكون حكم جوابه للمدعي كحكم جوابه للقاضي في الحكم بإقراره وإنكاره .

والوجه الثاني : أنه لا يقوم سؤال المدعي مقام سؤال القاضي ، إذا قيل إن للقاضي أن يبدأ بسؤاله قبل مطالبة المدعي به فعلى هذا يكون جوابه كما لو ابتدأ به من غير سؤال من إلغاء إنكاره ، ويصير في إقراره كالحاكم فيه بعلمه .

فصار جوابه مع هذا التفصيل في السؤال ، منقسما أربعة أقسام :

أحدها : أن يسأل القاضي بعد سؤال المدعي .

[ ص: 309 ] الثاني : أن يسأل القاضي قبل سؤال المدعي .

والثالث : أن يبتدئ المدعى عليه بالجواب قبل السؤال .

والرابع : أن يسأله المدعي فيجيب ، وقد بينا حكم كل واحد من هذه الأقسام .

التالي السابق


الخدمات العلمية