الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
حضور الخصم قبل نفوذ الحكم واطراده جرح الشهود .

مسألة : قال الشافعي : " وينبغي إذا حضر أن يقرأ عليه ما شهدوا به عليه وينسخه أسماءهم وأنسابهم ويطرده جرحهم فإن لم يأت به حكم عليه " .

قال الماوردي : اختلف أصحابنا في تأويل هذه المسألة ، فذهب بعضهم إلى أنها مصورة في حاضر سمعت البينة عليه قبل جوابه عن الدعوى ، وهذا قول من أجاز ذلك منهم ، فإذا حضر مجلس الحكم بعد سماع البينة عليه أعلمه القاضي أسماء الشهود ، وأطرده جرحهم ، فإن أثبت ما يوجب سقوط شهادتهم أسقطها ، وإلا حكم بها وأمضاها .

وقال آخرون بل هي مصورة في غائب سمعت عليه البينة ثم قدم قبل نفوذ الحكم [ ص: 318 ] بها فيعلمه القاضي ما ثبت عنده بالبينة ويعرفه أسماء الشهود وأنسابهم ، ويطرده جرحهم ، وهذا قول من منع من سماع البينة على الحاضر قبل جوابه عن الدعوى .

وفي قول الشافعي : ويطرده جرحهم ، تأويلان متضادان :

أحدهما : معناه يمهله ويؤخره ، حتى يقيم بينة بجرحهم .

والثاني : بل معناه يضيق عليه ولا يؤخره .

وعلى كلا التأويلين لا بد أن يمهله قدر ما يمكنه إقامة البينة الحاضرة بجرحهم ولا يزيده على ثلاثة أيام ؛ لتطاول الزمان بما زاد عليها ويجتهد رأيه فيما دون الثلاث بحسب الحال وعظم البلد وصغره .

فإذا قدر له مدة أنظره بها فلم يأت فيها بالبينة على الجرح أنفذ الحكم عليه بالشهادة .

وإن أتى بالبينة في مدة إنظاره بجرح الشهود بعد ثبوت عدالتهم سأل شهود الجرح عن زمانه ، فإنه لا يخلو جوابهم من ثلاثة أحوال :

إحداها : أن يشهدوا بجرحهم في زمان شهادتهم فهذا موجب لإسقاطها ، وإبطال الحكم بها ، لأن بينة الجرح أثبت من بينة التعديل ، سواء كان القاضي قد أنفذ الحكم بشهادتهم أو لم ينفذ .

والحال الثانية : أن يشهدوا بجرحهم قبل زمان شهادتهم ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون بين الزمانين من التطاول ما يصلح فيه حال المجروح ، فلا يوجب سقوط شهادتهم وتكون بينة التعديل أولى .

والضرب الثاني : أن يقصر ما بين الزمانين عن أن يصلح فيه حال المجروح ، فيجب سقوط شهادتهم وتكون بينة الجرح أولى .

والحال الثالثة : أن يشهدوا بجرحهم بعد زمان شهادتهم ، فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون الجرح بعد نفوذ الحكم بشهادتهم ، فلا يؤثر فيه ما حدث بعده من جرحهم .

والضرب الثاني : أن يكون الجرح بعد شهادتهم وقبل نفوذ الحكم بها ، فيتوقف عن إنفاذ الحكم بشهادة مجروحين .

فأما إن ادعى المشهود عليه قضاء الدين كان تصديقا للشهادة فلم تسمع منه بينة الجرح ، وطولب بالبينة على القضاء .

فإن أقامها ، سقط الحق عنه ، وإن عدمها أحلف الشهود له وحكم له بالحق .

التالي السابق


الخدمات العلمية