فصل :  
شروط نفوذ حكم القاضي بعلمه     .  
فإذا ثبت ما ذكرناه من توجيه القولين وإبطال الفرق بين العلمين ، فإن قيل : بجواز حكمه بعلمه وهو أصح القولين ، كان نفوذ حكمه بعلمه معتبرا بشرطين :  
أحدهما : أن يقول للمنكر : قد علمت أن له عليك ما ادعاه .  
والثاني : أن يقول : وحكمت عليك بعلمي .  
فإن اقتصر على أحد الشرطين وأغفل الآخر لم ينفذ حكمه .  
وإن قيل بمنعه من الحكم بعلمه ، فقد قال  
مالك      : إذا أقر عنده الخصوم لم يجز أن يحكم على المقر إلا أن يشهد بإقراره شاهدان ، لئلا يصير حاكما بعلمه .  
فاختلف أصحابنا في اعتبار هذا إذا منع من الحكم بعلمه .  
فذهب بعضهم إلى اعتباره ، وأنه لا يجوز له أن يحكم على المقر بإقراره ، حتى يشهد به شاهدان ، لئلا يصير حاكما بعلمه .  
وذهب الأكثرون وهو قول  
الحسين الكرابيسي   وأبي العباس بن سريج   إلى أن الشهادة غير معتبرة في إقراره في مجلس الحكم ؛ لأنه حكم بالإقرار وليس حكم بالعلم .  
وعلى هذا لو أقر في مجلس حكمه بحد الله تعالى وقيل : إنه لا يحكم في الحدود      
[ ص: 325 ] بعلمه ، فإن منع من الحكم بالإقرار إلا بالشهادة ، لم يحكم عليه بالحد ، وإن أجيز له الحكم بالإقرار من غير شهادة ، حكم عليه بالحد .  
وعلى هذا إذا  
شهد عنده شاهدان بما يعلم خلافه  لم يجز أن يحكم بعلمه .  
واختلف أصحابنا في جواز حكمه بالشهادة على وجهين :  
أحدهما : يحكم بها ؛ لأن الشهادة هي المعتبرة في حكمه دون علمه .  
والوجه الثاني : وهو أصح لا يجوز أن يحكم بالشهادة ؛ لأنه متحقق لكذبها .  
فأما إذا ذكر القاضي أن بينة قامت عنده فهو مصدق على ما ذكر منها ، ويجوز له أن يحكم بها على القولين ؛ لأنه حاكم بالبينة دون العلم .