الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي : " لو عزل فقال قد كنت قضيت لفلان على فلان لم يقبل إلا بشهود " .

قال الماوردي : فالكلام في هذه المسألة يشتمل على أربعة فصول :

أحدها : في ولايته .

والثاني : في عزله .

والثالث : في حكمه .

والرابع : في قوله .

فأما الفصل الأول في ولايته فمعتبرة بما تضمنه عهده من حدود العمل وصفة النظر من عموم أو خصوص ، وعلى الإمام فيه حق ، وعلى القاضي فيه حق .

[ ص: 332 ] فأما ما على الإمام من حق فثلاثة أشياء :

أحدها : تقوية يده حتى لا يعجز عن استيفاء حق ودفع ظلم .

والثاني : مراعاة عمله حتى لا يتخطاه إلى غيره ولا يخل ببعضه .

والثالث : مراعاة أحكامه ، وإن تحرى ، عمل السداد من غير تجاوز ولا تقصير .

ولذلك ما اخترنا للإمام أن يثبت نسخة العهد في ديوانه ؛ لتعتبر أفعاله بما تضمنها وما يلزمه من مراعاته في مبادئ نظره أكثر مما يلزمه فيما بعد ، وإن لم يجز أن يخل بمراعاته في حال من الأحوال .

فإن شق ذلك عليه ندب له من يراعيه وينهي إليه ما يجري فيه .

ولذلك قلد الإمام قاضي القضاة ليكون نائبا عنه في مراعاة القضاة .

وأما ما على القاضي من الحق فثلاثة أشياء :

أحدها : أن يعمل بما تضمنه عهده من عمل ونظر ، فلا يتجاوز عمله ولا يقصر عنه ولا يتعدى ما جعل إليه من خصوص النظر ولا يخل بما جعل إليه من العموم النظر . ولذلك أمر بقراءة عهده على أهل عمله ليعلموا منه ما إليه وما ليس إليه .

والأولى أن يكون معه عند قراءة عهده شاهدان قد شهدا على ما تضمنه ليشهدوا به عند أهل عمله حتى يلتزموا طاعته .

فإن أعوزت الشهادة واقترن بقراءة العهد من شواهد الأحوال ما يدل على صحته من القرب من بلد الإمام وانتشار الحال واشتهارها لزمتهم الطاعة .

وإن لم يقترن به شاهد حال لم تلزم الطاعة .

والثاني : من الحقوق على القاضي : أن يستمد معونة الإمام فيما عجز عنه ، من استيفاء حق أو دفع ظلم ، حتى لا يفوت حق قد ندب لاستيفائه ولا يتم ظلم قد ندب لرفعه .

والثالث : أن لا يخل بالنظر مع المكنة اعتبارا بالعرف والعادة في أن لا يتأخر الخصوم عن المحاكمة ، ولا يمنع من الاستراحة ، وما جرت به عادة القضاة للانقطاع بمثله .

فإن كان مرتزقا لم يستحق رزقه قبل وصوله إلى عمله .

فإذا وصل إليه ونظر استحق الرزق .

وإن وصل ولم ينظر فإن كان متصديا للنظر يستحقه وإن لم ينظر ، كالأجير في العمل إذا سلم نفسه إلى مستأجره فلم يستعمله استحق أجرته .

[ ص: 333 ] وإن لم يتصد للنظر فلا رزق له ، كالأجير إذا لم يسلم نفسه للعمل .

التالي السابق


الخدمات العلمية