الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 10 ] مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : وقال بعض أصحابنا : إن شهدت امرأتان لرجل بمال حلف معهن ، ولقد خالفه عدد أحفظ ذلك عنهم من أهل المدينة ، وهذا إجازة النساء بغير رجل ، فيلزمه أن يجيز أربعا ، فيعطي بهن حقا فإن قال إنهما مع يمين رجل ، فيلزمه أن لا يجيزهما مع يمين امرأة ، والحكم فيهما واحد قال الشافعي رحمه الله : وكان القتل والجراح وشرب الخمر والقذف مما لم يذكر فيه عدد الشهود ، فكان ذلك قياسا على شاهدي الطلاق وغيره مما وصفت " .

قال الماوردي : وهذا أراد به مالكا ، لأنه يوافق على القضاء باليمين مع الشاهد في الأموال ، وإن خالف فيه أبو حنيفة ، ثم تجاوز مالك ، فقضى باليمين مع شهادة امرأتين ، وإن لم يره الشافعي استدلالا بأن الله تعالى أقام شهادة امرأتين مقام شهادة رجل بقوله تعالى : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان [ البقرة : 282 ] . ثم ثبت جواز القضاء بالشاهد واليمين ، فكذلك بالمرأتين واليمين .

ولأن الله تعالى قال : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى [ البقرة : 282 ] . وفي قوله " فتذكر " قراءتان :

إحداهما : بالتشديد من النسيان .

والثانية : بالتخفيف أي : يكونان كالذكر ، فيكون الاستدلال بهذه القراءة نصا ، وبالأولى تنبيها .

ودليلنا : هو أن شهادة الرجلين أقوى من شهادة المرأتين ، لأن شهادة الرجلين مقبولة في الحدود والأموال ، وشهادة الرجل والمرأتين مردودة في الحدود ، وإن قبلت في الأموال ، والحكم باليمين أضعف من الحكم بالبينة لتقدمها على اليمين ، فحكمنا بشاهد ويمين ، لاجتماع قوي مع ضعيف ، كما حكمنا برجل وامرأتين ، ولم نحكم بامرأتين ويمين لاجتماع ضعيف مع ضعيف ، وكما لم نحكم في الأموال بأربع نسوة .

فإن قيل : فإنما أعطى مع يمين رجل .

قيل : فيلزمك أن لا تعطي مع يمين امرأة وأنت تسوي بينهما في اليمين ، وفي هذا انفصال عن استدلاله .

التالي السابق


الخدمات العلمية