الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وعارضهم الشافعي بهذا الفصل الخامس ، فقال : وقد أجزتم شهادة أهل الذمة ، وهم غير الذين شرط الله تعالى أن تجوز شهادتهم ، ورددتم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليمين مع الشاهد ؟ يعني أن الله تعالى شرط : ممن ترضون من الشهداء ، [ البقرة : 282 ] . وليس الكفار بمرضيين ، ولا يجعلونه مخالفا للنص ، ويجعلون القضاء باليمين مع الشاهد ، وليس بمخالف للنص ، مخالفا للنص ، فأجابوه بما حكاه عنهم أن قالوا : إنما أجزنا شهادة أهل الذمة ، بقول الله تعالى : أو آخران من غيركم " [ المائدة : 106 ] . فأبطل جوابهم من أربعة أوجه :

الأول : أن قال : سمعت من أرضى بقوله : " من غير قبيلتكم من المسلمين " ولئن تردد التأويل بين احتمالين من غير أهل دينكم ، ومن غير أهل قبلتكم فحمله على غير أهل القبيلة ، لموافقة النص - أولى من حمله على غير أهل الدين لمخالفة النص مع قوله : تحبسونهما من بعد الصلاة [ المائدة : 106 ] .

والثاني : أنها نزلت في العرب ، وكفارهم مشركون لا يقبل أبو حنيفة شهادتهم ، وإنما يقبل شهادة أهل الذمة والكتاب .

والثالث : أنها نزلت في وصية مسلم ، وأبو حنيفة لا يجيز شهادة أهل الكتاب لمسلم ، ولا عليه ، وإنما يجيزها لبعضهم على بعض ، فإنه منع منها في المسلم مع مجيء القرآن بها ، لأنها منسوخة عنده ، ورد شهادة أهل الشرك عموما ، وفي أهل الكتاب لمسلم ، وعلى مسلم .

فاعترض عليه الشافعي ، فقال : " بماذا نسخت ؟ فقال : بقول الله تعالى : ممن ترضون من الشهداء [ البقرة : 282 ] ، فأجابه الشافعي عنه ، فقال : زعمت بلسانك [ ص: 106 ] أنك خالفت الكتاب إذ لم يجز الله إلا مسلما ، وأجزت كافرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية