فصل : وأما الفصل الثاني : في  
صفة التغليظ بمكانه وزمانه     .   
[ ص: 112 ] أما المكان ، فيعتبر بأشرف البقاع من البلد ، فإن كان بمكة ، فبين البيت والمقام ، وتصان الكعبة عنه .  
وأما الحجر ، فقد أحلف  
عمر   أهل القسامة فيه ، ولو صين عنه كان أولى : لأنه في حكم البيت .  
وإن كان بالمدينة ، ففي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى منبره ، كما أحلف المتلاعنين عليه .  
وقال  
أبو علي بن أبي هريرة      : يحلف عند المنبر ، لا عليه ، لأن علو المنبر تشريف يصان عن مأثم الأيمان ، لكن يرقى عليه الحاكم المستحلف ، لأنه من أهل الولايات ، ولا يرقى عليه الطالب إلا أن يرقى عليه الحالف ، لوجوب التسوية بين الخصمين .  
وإن كان  
ببيت المقدس   ، ففي مسجدها عند الصخرة ، لأنها أشرف بقاعه ، ويستحلف قائما ، لا سيما إن كان على المنبر ، لأن المنابر مقامات الوقوف في الولاة ، فكان في الاستحلاف أولى ، ولا بأس أن يكون الطالب المستحلف جالسا عند قيام الحاكم ، لأنه هو المزجور دون المستحلف .  
فأما  
اليهود   والنصارى   إذا تغلظت عليهم الأيمان ، ففي كنائسهم ، وبيعهم : لأنها وإن لم تكن أشرف البقاع عندنا ، فهي أشرفها عندهم ، وهم المزجورون بها ، فاعتبرنا ما هو أشرف في معتقدهم لا في معتقدنا .  
وأما  
التغليظ بالزمان  ، فبعد صلاة العصر لما ذهب إليه أهل التأويل في قوله تعالى :  
تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان     [ المائدة : 106 ] . أنها صلاة العصر ، ولأنه وقت ترفع فيه الأعمال ، وتجاب فيه الدعوات .  
فأما  
اليهود   والنصارى   ، فبعد صلاتهم التي يرونها أعظم صلواتهم .  
وأما  
التغليظ بالعدد  ففي الحقوق التي شرع فيها العدد ، وهي الدماء : تغلظ بخمسين يمينا ، وفي اللعان بخمسة أيمان .  
وأما  
التغليظ باللفظ     : فهو أن يذكر مع اسم الله تعالى من صفات ذاته الخارجة عن العرف المألوف في لغو اليمين ، ما يكون أزجر وأردع على ما سنذكره في صفة اليمين . وأما  
التغليظ بالوعظ  ، فيكون قبل اليمين بقول الله تعالى :  
إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا     [ آل عمران : 77 ] .      
[ ص: 113 ] وبقول النبي صلى الله عليه وسلم : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=925650من حلف يمينا فاجرة ، ليقتطع مال امرئ مسلم لقي الله يوم يلقاه ، وهو عليه غضبان     " .  
فأما  
الإحلاف بالمصحف تغليظا  ، فقد كان  
ابن الزبير   يفعله ، وقد حكاه  
الشافعي   عن بعض قضاتهم استحسانا ، وليس بمستحب عنده ، وإن أجازه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=924215من كان حالفا ، فليحلف بالله أو ليصمت     " ،  
وهل يجزئ الحلف به عن الحلف بالله ؟  على وجهين :  
أحدهما : يجزئ ، ويسقط به وجوب اليمين ، لاشتراكهما في الحنث بهما ، ووجوب التكفير فيهما .  
والوجه الثاني : لا يجزئ ، ولا يسقط به وجوب اليمين ، لأن من الفقهاء من يعلق عليه حنثا ، ولا يوجب به تكفيرا .