الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : ولو ادعاها لأبيه سمعت دعواه بشرطين :

أحدهما : أن يكون أبوه ميتا ، فإن كان حيا لم تسمع .

والثاني : أن يكون وارثا ، فإن لم يرثه ، لكونه قاتلا أو كافرا لم تسمع .

فإذا استكملت الشرطين جاز أن يحلف على البت بالله إن هذه الدار لأبيه ، وعلى ملكه ، إلى أن مات عنها لا حق فيها لصاحب اليد ، ولو لم يقل : إلى أن مات عنها ، وإن كان ذلك أحوط ، لأنه إذا أثبت ملك أبيه بعد موته ، فقد أثبت ملكه إلى حين موته . فإذا حلف جرى عليها ملك أبيه ، وانتقلت إليه ميراثا ، وقضى منها ديونه ، ونفذ منها وصاياه .

فإن قيل : أفلستم تقولون : إنه لا يملك أحد مالا بيمين غيره ؟ فلم قلتم : الأب مالك بيمين ابنه ؟

قيل : لأن الابن قائم مقام الأب في استحقاق الملك ، فقام مقامه في إثباته باليمين ، كما يحلف الوكيل على ما ابتاعه لموكله ، ويحلف العبد على ما ابتاعه ، وإن [ ص: 124 ] كان الملك لغيره . فإن نكل هذا الابن عن يمين الرد ، وأجاب إليها أرباب الديون والوصايا - نظر : فإن اتسعت التركة لقضاء ديونهم ووصاياهم ، لم يجز أن يحلفوا . وإن ضاقت التركة عن ديونهم ووصاياهم ، ففي جواز إحلافهم عليها قولان مضيا . فإذا أحلفوا ثبت من ملك الميت بقدر الديون والوصايا ، وبقي ما زاد عليها على ملك المدعى عليه ، لا يملكه الورثة كما لو حلف بعض الورثة أثبت بيمينه حق نفسه ، ولم يثبت بها حق غيره من الورثة .

وأما اليمين في الدين ، فعلى ضربين :

أحدهما : لنفسه .

والثاني : لأبيه .

فإن كان الدين له كادعائه ألف درهم دينا له ، فهو على ضربين :

أحدهما : أن يطلقها .

والثاني : أن يذكر سببها .

فإن أطلقها حلف يمينا على إثباتها ، ونفى ما يسقطها ، فيقول : والله إن لي عليه ألف درهم ما قبضتها ، ولا شيئا منها ، ولا قبضت لي ، ولا شيء منها ، ولا أحلت بها ، ولا بشيء منها ، ولا أبرأته منها ، ولا من شيء منها ، ولا وجب له علي ما يبرأ به منها أو من شيء منها ، لأنه قد يجني عليه أو يشتري منه بقدر دينه ، فيصير قصاصا في قول من يجعل الديون المتماثلة قصاصا .

ثم يقول : وإنها لثابتة عليه إلى وقتي هذا ، فتكون يمينه إذا استوفيت بكمالها مشتملة على ثلاثة أشياء :

أحدها : إثبات استحقاقها .

والثاني : نفي سقوطها .

والثالث : بقاؤها إلى وقت يمينه

فأما إثباتها باليمين ، فمستحق .

وأما بقاؤها إلى وقت اليمين فمستحب .

وأما نفي إسقاطها ، ففيه وجهان محتملان :

أحدهما : مستحق ، لأن ثبوتها لا يمنع من حدوث ما يسقطها .

والوجه الثاني : مستحب ، لأن إثباتها في الحال يمنع من سقوطها من قبل .

[ ص: 125 ] وإن ذكر سبب استحقاقها أنه من قرض أو غصب أو قيمة متلف أو ثمن مبيع نظر : فإن كان السبب يسبب الاستحقاق في يمينه ، لأن لا يقيمها ، فيستحق بها ألفا أخرى ، وإن كان السبب خفيا لم يجب ذكره في اليمين ، وكان ذكره فيها احتياطا .

التالي السابق


الخدمات العلمية