الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
صفة العدل والفاسق

فصل : فإذا تقرر فرق ما بين العدل والفاسق ، وجب العدول إلى صفة العدل وإلى صفة الفاسق ، ليكون من وجدت فيه العدالة مقبولا ، ومن وجد فيه الفسق مردودا ، فالعدل في الشهادة من تكاملت فيه ثلاثة خصال :

إحداهن : أن يكون من أهلها ، وذلك بثلاثة أمور : أن يكون مكلفا ، حرا ، مسلما .

وليس عدم التكليف والحرية موجبا لفسقه وإن كان وجودهما شرطا في عدالته .

والخصلة الثانية : كمال دينه ، وذلك بثلاثة أمور :

أن يكون محافظا على طاعة الله تعالى في أوامره مجانبا لكبائر المعاصي غير مصر على صغائرها .

والكبائر : ما وجبت فيها الحدود وتوجه إليها الوعيد .

والصغائر : ما قل فيها الإثم .

قال الله تعالى : إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم [ النساء : 31 ] .

وقال الله تعالى : الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم [ النجم : 32 ] .

وفي هذه الكبائر لأهل التأويل أربعة أقاويل :

أحدها : ما زجر عنه بالحد .

[ ص: 150 ] والثاني : ما لا يكفر إلا بالتوبة .

والثالث : ما رواه شرحبيل عن ابني مسعود قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكبائر ، فقال : أن تدعو لله ندا وهو خلقك ، وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ، وأن تزني بحليلة جارك

والرابع : ما روى سعيد بن جبير أن رجلا سأل ابن عباس : كم الكبائر ؟ أسبع هي ؟ قال : هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع . لا كبيرة مع استغفار ، ولا صغيرة مع إصرار . فكان يرى كبائر الإثم ما لم يستغفر الله عنه إلا بالتوبة .

وأما الفواحش ففيها قولان :

أحدهما : أنها الزنى .

والثاني : أنها جميع المعاصي .

وأما اللمم ففيه أربعة أقاويل : -

أحدها : أن يعزم على المعصية ثم يرجع عنها قد روى عمرو بن دينار ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن تغفر اللهم ، تغفر جما وأي عبد لك لا ألما " .

والثاني : أن يلم بالمعصية يفعلها ثم يتوب عنها ، قاله الحسن ومجاهد .

والثالث : أن اللمم ما لم يجب عليه حد في الدنيا ، ولم يستحق عليه في الآخرة عقاب . قاله مجاهد .

والرابع : أن اللمم ما دون الوطء من القبلة والغمزة ، والنظرة ، والمضاجعة . قاله ابن مسعود .

وروى طاوس عن ابن عباس قال : ما رأيت أشبه باللمم من قول أبي هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم : كتب الله على كل نفس حظها من الزنى أدرك ذلك لا محالة ، فزنا العينين النظر ، واللسان النطق ، هي النفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية