الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : فأما الحرية وهي مسألة الكتاب . فقد ذكرنا أنها شرط في قبول الشهادة ، وليست شرطا في صحة العدالة ، لأن قوله مقبول في الفتيا والأخبار وإن لم يقبل في الشهادة .

وحريته تعلم من وجهين متفق عليهما ، وثالث مختلف فيه :

أحدهما : أن تلده حرة فيكون حر الأصل .

والثاني : أن يعتقه مالك فيصير حرا بعد الرق .

والثالث : المختلف فيه : أن يقول : أنا حر ، ففي ثبوت حريته بقوله وجهان :

أحدهما : وهو الظاهر من قول الشافعي رضي الله عنه في هذا الموضع : لا تقبل شهادته حتى يثبت عنده بخبر منه أو بينة أنه حر ، فكان ظاهر كلامه أن خبره في حريته مقبول ، لأنه لما كان قوله في إسلامه مقبولا ، لأن الظاهر من الدار إسلام أهلها ، كان قوله في حريته مقبولا . لأن الظاهر من دار الإسلام حرية أهلها .

والوجه الثاني : أن قوله في حريته غير مقبول ، وإن كان قوله في إسلامه مقبولا .

وهذا أظهر الوجهين .

[ ص: 159 ] والفرق بين الإسلام والحرية ، أنه يملك الإسلام إذا كان كافرا ، فملك الإقرار به .

ولم يملك الحرية إذا كان عبدا ، فلم يملك الإقرار بها .

ويكون معنى قول الشافعي رضي الله عنه : " إلا بخبر منه " : يعني من الحاكم : لأن يجوز للحاكم أن يعمل بعلمه في أسباب الجرح والتعديل على القولين معا .

وكان بعض أصحابه يحمل الجميع على القولين في الجرح والتعديل ، هل الحكم يعمل فيهما بعلمه أم لا ؟ على قولين :

والفرق بينهما أولى لما ذكرناه من المعنى .

فأما قول الشافعي : ولا يقبل الشاهد حتى يثبت عنده بخبر منه أو بينة تشهد أنه حر . فقد اختلف أصحابنا في مراده بنفي القبول على وجهين :

أحدهما : لا تسمع الشهادة حتى يعلم حرية الشاهد وإسلامه فيسمعها ثم يسأل عن عدالته بظهور الحرية والإسلام ، وخفاء العدالة .

والوجه الثاني : لا يحكم بها حتى يعلم حريته وإسلامه ويجوز أن يسمعها قبل العلم بحريته وإسلامه كالعدالة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية