الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والضرب الثاني : وأن لا يخالف بمعتقده الإجماع ، فهو على ضربين :

أحدهما : أن تفضي به المخالفة إلى القدح في بعض الصحابة ، فهو على ضربين :

سب وجرح .

[ ص: 173 ] فإن كان القدح سبا ، فسق به ، وعزر من أجله .

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سب نبيا ، فقد كفر ، ومن سب صحابيا فقد فسق " .

وليس من عاصر الرسول صلى الله عليه وسلم وشاهده كان من الصحابة ، وإنما يشتمل اسم الصحابة على من اجتمع فيه شرطان :

أحدهما : أن يتخصص بالرسول صلى الله عليه وسلم .

والثاني : أن يتخصص به الرسول صلى الله عليه وسلم .

فأما اختصاصه بالرسول ، فيكون من أمرين .

أحدهما : مكاثرته في حضره وسفره .

والثاني : متابعته في الدين والدنيا .

وليس من قدم عليه من الوفود ، ولا من غزا معه من الأعراب من الصحابة لعدم هذين الشرطين فيهم .

وأما اختصاص الرسول به ، فيكون به بأمرين :

أحدهما : أن يثق بسرائرهم .

والثاني : أن يقضي بأوامره ونواهيه إليهم .

ولذلك لم يكن المنافقون من الصحابة لعدم هذين الأمرين فيهم ، فصار الصحابي من تكامل فيه ما ذكرناه ، ومن أخل بها خرج منهم .

وإن كان القدح في الصحابة جرحا ينسب بعضهم إلى فسق وضلال - نظر : فإن كان من أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، صار باعتقاده لفسقه فاسقا مردود الشهادة .

وإن لم يكن من العشرة - نظر : فإن كان من أهل بيعة الرضوان ، صار بتفسيق أحدهم فاسقا : لأن الله تعالى أخبر بالرضا عنهم .

وإن لم يكن من أهل بيعة الرضوان نظر : فإن كان قبل تنازع الصحابة رضي الله عنهم في قتال الجمل وصفين ، صار بتفسيقه للصحابة فاسقا ، مردود الشهادة .

وإن كان قد دخل في تنازع أهل الجمل وصفين ، فقد اختلف أهل العلم من أصحابنا وغيرهم في تنازعهم هل نقلهم عن الحكم المتقدم فيهم أم لا ؟ على وجهين :

[ ص: 174 ] أحدهما : وهو قول أكثرهم ، أنهم على استدامة حكم الرسول فيهم من القطع بعدالتهم في الظاهر والباطن . ولا يكشف عن سرائرهم في رواية خبر ولا في ثبوت شهادة ، استدامة لحكم الصحبة فيهم ، ومن فسق أحدهم كان بتفسيقه فاسقا ، لأنهم في التنازع متأولون .

والوجه الثاني : أنهم صاروا بعد التنازع كغيرهم من أهل الأعصار عدولا في الظاهر دون الباطن ، وزال عنهم القطع بعدالتهم في الظاهر والباطن ، فلا تقبل شهادة أحدهم إلا بعد الكشف عن عدالة باطنه .

ومن فسق أحدهم لم يفسق بتفسيقه ، وكان على عدالته في قبول شهادته ، لأنهم انتقلوا بالتنازع عن الألفة إلى التقاطع ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تقاطعوا ، ولا تدابروا ، ولا تباغضوا ، وكونوا عباد الله إخوانا " . وقد أحدث التنازع فيهم ما نهاهم عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية