الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما عن عدالة اللاعب بها ، فعند مالك وأبي حنيفة أن عدالته ساقطة وشهادته مردودة على أي وجه لعب بها .

وإن اختلفا في موجب ردها ، فردها مالك لحظرها ، وردها أبو حنيفة لتغليظ كراهتها وعند الشافعي أن عدالته وجرحه معتبر بصفة لعبه بها ، فإن خرج بها إلى خلاعة أهلها أو قامر عليها أو تشاغل عن الصلاة بها خرج عن العدالة بما فعله من أحد هذه الثلاثة ، فردت شهادته بها لا بنفس اللعب ، وأما الخلاعة فهو أن يستخف عليها بلغو الكلام ، وأن يلعب بها على الطريق ، وأن ينقطع إليها ليله ونهاره حتى يلهو بها عما سواها .

[ ص: 180 ] وأما القمار فهو ما يأخذه من العوض عليها إن غلب ، أو يدفعه من العوض عنها إن غلب لتحريم الله تعالى القمار نصا بقوله تعالى : إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه [ المائدة : 90 ] .

والميسر هو القمار ، والقمار ما لم يحل أن يكون كل واحد منهما آخذا أو معطيا ، فيأخذ إن كان غالبا ، ويعطي إن كان مغلوبا .

فأما إن عدلا عنه إلى حكم السبق والرمي ، بأن ينفرد أحد المتلاعبين بإخراج العوض دون صاحبه ليؤخذ منه إن كان مغلوبا وليسترجعه إن كان غالبا ، ويكون الآخر آخذا إن كان غالبا وغير معط إن كان مغلوبا ، فقد اختلف أصحابنا في جوازه في الشطرنج مع اتفاقهم على جوازه في السبق والرمي بناء على اختلاف قولهم في قوله : صلى الله عليه وسلم " لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل " .

هل هو أصل بذاته أو استثناء من جملة محظور على وجهين :

أحدهما : أنه أصل في نفسه يجوز القياس عليه ، فعلى هذا يجوز مثله في الشطرنج قياسا على السبق والرمي ، لجواز القياس على أصل النص ، ولا يكون إخراج هذا العوض في الشطرنج محظورا ، فلا يكون به مجروحا .

والوجه الثاني : أن السبق والرمي مستثنى من جملة محظورة ، فعلى هذا لا يجوز مثله في الشطرنج ، لأن القياس يكون على الأصل دون الاستثناء ، ويكون إخراج هذا العوض في الشطرنج محظورا ويصير بإخراجه مجروحا .

وأما تشاغله بها عن الصلاة ، فهو أن يدخل عليه وقتها ، فينقطع بها عن الصلاة حتى يفوت ، فإن ذكرها وعلم بفوات الوقت . فقد فسق ، ولو كان في دفعة واحدة ، وإن نسي الصلاة ولم يعلم بدخول الوقت حتى فات ، فإن كان في دفعة واحدة ، لم يفسق به . وإن تكرر منه ذلك وكثر فسق به ولو تكرر منه لكثرة الفكر حتى تكرر منه نسيان الصلاة في وقتها حتى فات ، لم يفسق .

والفرق بينهما : أنه لا يقدر على دفع الفكر عن نفسه إذا طرأ ، فلم يفسق إذا كثر به نسيان الصلاة ، ولعب الشطرنج من فعله واختياره ، فيفسق إذا كثر به نسيان الصلاة . وأما إذا تجرد لعب الشطرنج عما يفسق به من هذه الأحوال الثلاثة ، واستروح به في أوقات خلواته ، مستخفيا به عن المحتشمين ، فكان لعبه به على أحد وجهين :

إما ليشفي به هما ويستحدث به راحة ، وإما ليرتاض به في تدبيره وجزالة رأيه وصحة حزمه ، فهو على عدالته وقبول شهادته .

[ ص: 181 ] وهل يكون عفوا أو مباحا .

على ما قدمنا من الوجهين في معنى كراهة الشافعي رضي الله عنه لها .

هل كان عائدا إليها أو إلى ما يحدث فيها ؟

فإن قيل : إنه عائد إليها كان اللعب بها معفوا عنه .

وإن قيل : إنه عائد إلى ما يحدث عنها ، كان اللعب بها مباحا .

وهو على الوجهين غير مانع من قبول الشهادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية