الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والفصل الثاني : ما تجوز فيه الشهادة على الشهادة .

وهو معتبر بالحق المشهود فيه وهو ضربان :

أحدهما : ما كان من حقوق الآدميين .

والثاني : ما كان من حقوق الله تعالى .

فأما حقوق الآدميين فتجوز فيها الإشهاد على الشهادة ، سواء كان مما لا يثبت [ ص: 221 ] بشاهدين كالنكاح ، والطلاق ، والعتق ، والنسب ، والقصاص ، والقذف ، أو كان يثبت بشاهد وامرأتين كالأموال ، أو كان يثبت بالنساء منفردات كالولادة وعيوب النساء .

وقال أبو حنيفة : لا تجوز الشهادة على الشهادة فيما يسقط بالشبهة كحد القذف والقصاص ، ويجوز فيما عداه من حقوق الآدميين المحضة .

وبه قال بعض أصحاب الشافعي استدلالا بأن ما سقط بالشبهة كان محمولا على التخفيف ، والشهادة على الشهادة تغليظ فتنافيا .

وهذا فاسد ، لأن حقوق الآدميين موضوعة على التغليظ وفيما عدا الأموال التي يجوز أن يستباح بالإباحة ، فلما صحت الشهادة على الشهادة في الأموال التي هي أخف ، كان جوازها في المغلظ أحق .

وأما حقوق الله تعالى المحضة ، كحد الزنا ، وشرب الخمر ، والقطع في السرقة ، ففي جواز الشهادة فيها على الشهادة قولان منصوصان :

أحدهما : تجوز الشهادة فيها على الشهادة ، وتثبت بشهود الفرع كثبوتها بشهود الأصل ، اعتبارا بحقوق الآدميين ، لأن حقوق الله تعالى التي لا تسقط بالعفو أحق بالاستيفاء مما يجوز أن يسقط بالعفو .

والقول الثاني : وبه قال أبو حنيفة أنه لا تجوز فيها الشهادة على الشهادة ، ولا تثبت إلا بشهود الأصل دون شهود الفرع ، لأنها موضوعة على سترها وكتمانها ودرئها بالشبهات ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم " .

وقوله عليه السلام : " من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله " .

فكانت لأجل ذلك منافية لتأكيدها بالشهادة على الشهادة .

وكذلك القول في كتاب القاضي إلى القاضي ، كالقول في الشهادة على الشهادة .

تجوز في حقوق الآدميين ، وفي جوازها في حقوق الله تعالى قولان .

التالي السابق


الخدمات العلمية