الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول في صحة تحمل شاهد الفرع وأدائه ] .

فصل : فإذا تقرر ما وصفنا من شاهد الأصل في صحة تحمله الشهادة ، انتقل الكلام إلى شاهد الفرع في صحة تحمله وصحة أدائه .

فأما تحمله فمعتبر في شاهد الأصل وله في تحمل شاهد الفرع عنه ثلاثة أحوال :

أحدهما : أن يذكر شاهد الأصل السبب الموجب للحق بلفظ الشهادة ، فيقول :

أشهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن أو غصب أو صداق
، فإذا سمعه شاهد الفرع صح تحمله للشهادة عنه ، وإن لم يسترعه إياها ، وفيه لبعض أصحابنا البصريين وجه آخر

[ ص: 224 ] أنه لا يصح تحمله إلا بالاسترعاء لما فيه من الاحتمال بالوعد ، وليس بصحيح ، لأن ذكر السبب تعيين من الاحتمال .

والحال الثانية : أن يشهد شاهد الأصل بالشهادة عند الحاكم ، فإن سمعه شاهد الفرع صح تحمله لها ، وإن لم يسترعه إياها ، لأن الحاكم ملزم ، فلم تكن الشهادة عنده إلا بما لزم .

والحال الثالثة : أن يقول شاهد الأصل : أشهد أن لفلان على فلان ألفا ، فإذا سمعه شاهد الفرع لم يصح تحمله إلا بالاسترعاء وجها واحدا ، وإن كان في المقر على وجهين :

والفرق بين المقر والشاهد من وجهين :

أحدهما : أن الحق في الشاهد لازم لغير الشاهد ، فوجب أن يغلظ حكمه بالاسترعاء ليتحقق صحة الإلزام بنفس الاحتمال .

والحق في الإقرار لازم للمقر لا يتعداه فيتحقق حكمه في صحة الإلزام ، لأنه لو كان فيه احتمال لما استظهر به لنفسه .

والثاني : أن الإقرار خبر وشروط الشهادة أغلظ من شروط الخبر لصحة إخبار من لا يصح شهادته من العبيد والنساء ، ولذلك اعتبر الاسترعاء في الشهادة وإن لم يعتبر في الإقرار ، ولذلك قبل رجوع الشاهد ولم يقبل رجوع المقر .

وإذا كان الاسترعاء معتبرا في الشهادة فالاسترعاء أن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع :

" أشهد أن لفلان على فلان ألفا فاشهد على شهادتي وعن شهادتي
" .

فأما قوله : " فاشهد على شهادتي " استرعاء لا يصح التحمل إلا به .

فلو قال فاشهد أنت بها لم يكن استرعاء ، حتى يقول : " فاشهد على شهادتي " ، نص عليه الشافعي .

وأما قوله : " وعن شهادتي " فهو إذن له في النيابة عنه في الأداء .

واختلف أصحابنا هل هو شرط في صحة التحمل ومعتبر في جواز الأداء أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : أنه شرط معتبر في صحة التحمل والأداء ، لأن شاهد الفرع نائب عن شاهد الأصل في الأداء ، فاعتبر فيه الإذن بالنيابة كالوكيل والوصي ، وهذا قول البصريين .

[ ص: 225 ] والوجه الثاني : يصح التحمل والأداء مع تركه ، لأن الشهادة على شهادته ليست من حقوقه ، فلم يعتبر فيه إذنه ، وهذا قول البغداديين .

التالي السابق


الخدمات العلمية