الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول في شروط أداء شاهد الفرع ] .

فصل : وأما صحة الأداء فمعتبرة بشاهد الأصل وصحة أدائه معتبرة بخمسة شروط :

أحدها : أن يصح تحمله على الشروط المعتبرة فيه ، فإذا أخل بشرط منها لم يصح أداؤه .

والشرط الثاني : أن يكون مقيما على شهادته غير راجع عنها ، فإن رجع عنها قبل الأداء لم يصح أداؤه ، ولو رجع بعد الأداء وقبل الحكم بطل الأداء ، ولو رجع بعد الحكم بالأداء ، لم يبطل الحكم برجوعه .

والشرط الثالث : أن يكون شاهد الأصل غير قادر على أداء الشهادة ، إما لغيبة أو زمانة أو موت ، فإن كان قادرا على أداء الشهادة لم يكن لشاهد الفرع أن يؤديها عنه ، لأن الأصل أقوى من الفرع ، وإذا وجدت القوة في الشهادة لم يجز إسقاطها ، وخالفت الوكالة في جوازها عن الحاضر ، لأن الحاضر قد يضعف عن استيفاء حجته كالغائب .

وخالفت الخبر في جواز قبولها من المخبر مع وجود المخبر عنه ، لأن الخبر يلزم المخبر والمستخبر والشهادة تلزم المشهود عليه دون الشاهد .

فلو شهد شاهد الفرع لغيبة شاهد الأصل أو مرضه ، ثم قدم شاهد الأصل من سفره أو صح من مرضه نظر :

فإن كان بعد نفوذ الحكم بشهادة الفرع لم تسمع شهادة الأصل .

وإن كان قبل نفوذ الحكم بها سمعت شهادة الأصل ولم ينفذ الحكم بشهادة الفرع .

فأما الغيبة التي تجوز معها شهادة الفرع ، فقد اعتبرها أبو حنيفة بمدة القصر وهي مسافة ثلاثة أيام عنده .

واعتبرها أبو يوسف بأن يكون إذا رجع إليها في أول النهار لم يقدر على العود منها قبل الليل إلى وطنه .

وعلى الظاهر من مذهب الشافعي رضي الله عنه أنها معتبرة بلحوق المشقة في عوده ، لأن دخول المشقة على الشاهد يسقط عنه فرض الأداء .

[ ص: 226 ] الشرط الرابع : أن يسمي شاهد الأصل في أدائه بما يعرف به ، فإن أغفل ذكره لم يصح أداؤه ، لأنه فرعه ، وقد يكون الأصل غير مرضي ، فتكون الشهادة مردودة وإن كان الفرع مرضيا ، فقبولها معتبر بعدالة الأصل والفرع ، وإن قال شاهد الفرع : " أشهدني شاهد عدل رضى " لم تقبل شهادته حتى يسميه ، لأن تزكية الشهود إلى الحاكم دون غيره .

والشرط الخامس : أن يؤدي الشهادة على الصفة التي تحملها ، فإن كان قد تحمل عن شاهد الأصل لذكره لسبب وجوب الحق من بيع أو قرض ، ذكره في أدائه عنه ، فقال " أشهد أن فلان ابن فلان الشاهد أشهدني على شهادته وعن شهادته ، أن فلان ابن فلان أقر عنده وأشهده على نفسه أن عليه لفلان ابن فلان ألف درهم ، فتصح الشهادة بهذا الأداء .

فإن قال " أشهدني على شهادته ولم يقل " وعن شهادته " ففي صحة أدائه وجهان تعليلا بما قدمناه .

وهذا أصح ما قيل في أداء الشهادة على الشهادة .

فإن قال شاهد الفرع : أشهد عن فلان ابن فلان الشاهد جاز .

ولو قال : " أشهد عليه " لم يجز ، لأن الحق على المقر لا على الشاهد .

التالي السابق


الخدمات العلمية