الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ثم يخطب فإذا ظهر على المنبر يسلم ويرد الناس عليه ؛ لأن هذا يروى غالبا وينصتون ويستمعون منه ويخطب قائما خطبتين يجلس بينهما جلسة خفيفة وأحب أن يعتمد على شيء وأن يثبت يديه وجميع بدنه ، فإن كان الفطر أمرهم بطاعة الله وحضهم على الصدقة والتقرب إلى الله جل ثناؤه والكف عن معصيته ، ثم ينزل فينصرف " .

[ ص: 493 ] قال الماوردي : وهذا كما قال الخطب المشروعة عشر خطب : خطبة الجمعة ، والعيدين ، والخسوف ، والكسوف ، والاستسقاء ، وأربع خطب في الحج : يوم السابع ، ويوم العاشر ، والثاني عشر ، وهو النفر الأول ، ثم هي نوعان : نوع منها يتقدم الصلاة ، ونوع يتعقب الصلاة ، فأما الذي يتقدم الصلاة ، فخطبتان الجمعة وعرفة ، وأما التي تتعقب الصلاة فالثماني الباقية ، وما يتقدم الصلاة واجب ، وما يتعقبها سنة ، فإذا تقررت هذه الجملة فخطب العيدين سنة تفعل بعد الصلاة ، لرواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب للعيد بعد الصلاة فإذا أراد الإمام أن يخطب بعد فراغه من الصلاة توجه إلى منبره فرقأ عليه بالسكينة والوقار ، فإذا انتهى إلى موقفه استقبل الناس بوجهه وسلم قائما ، قال الشافعي : لأن هذا يروى غالبا يعني السلام وفيه تأويلان :

أحدهما : أنه أراد غالبا في الصحابة منتشرا فيهم .

والثاني : يريد فعل السلام يروى غالبا على المنبر ، فإذا سلم فهل يجلس جلسة خفيفة للاستراحة أم لا ؟ على وجهين :

أحدهما : وهو منصوص الشافعي يجلس بعد سلامه ثم يقوم إلى خطبته .

والثاني : وهو قول أبي إسحاق ليس من السنة أن يجلس ؛ لأنه في الجمعة يجلس انتظارا للأذان ، وليس للعيد أذان ، والصحيح أنه يجلس للاستراحة ؛ ليكون ذلك أسكن لجسده وأمضى لخاطره ، ثم يقوم فيخطب قائما خطبتين ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب قائما ، فإن خطب جالسا مع القدرة على القيام أجزاه بخلاف الجمعة : لأن خطبة الجمعة فرض كالصلاة ، فجاز أن يفعلها جالسا ، وخطبة العيدين سنة كالصلاة فجاز أن يفعلها جالسا ، فإذا أراد أن يخطب ابتدأ الخطبة الأولى فكبر تسعا تسعا ، فإذا فرغ منها جلس جلسة خفيفة ، ثم قام إلى الثانية فكبر سبعا لرواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : " من السنة أن يكبر في الأولى تسعا وفي الثانية سبعا " . وقوله : من السنة يحتمل أن يكون أراد به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو سنة الصحابة ، رضي الله عنهم ، وأيهما كان فالاقتداء به حسن ؛ ولأن الخطبتين أقيمتا مقام ركعتين ، فالأولى تتضمن تسع تكبيرات مع تكبيرة الإحرام والركوع ، والثانية سبع تكبيرات مع تكبيرة القيام والركوع ، فكذلك في الخطبتين ، قال الشافعي : ولا أحب أن يدخل بين ظهراني [ ص: 494 ] التكبير التحميد والثناء ، فإن فعل فهو حسن ، وتركه أولى ، ويختار أن يعتمد في خطبته على شيء ، ليكون أسكن لجسده ، فإن أسدل يديه أو تركهما تحت صدره جاز ، وينبغي أن يقرأ في خطبته الأولى بعد واجباتها بأمانة ما يليق بزمانه ، فإن كان العيد فطرا بين حكم زكاة الفطر ، وأنها واجبة ، على من وجدها فاضلة عن قوته ، ويبين لهم زمان وجوبها ، والحبوب التي يجوز إخراج الزكاة منها ، وقدر الصاع المؤدى ، ومن يستحق أخذه ومن يجب عليه أداؤه ، وإن كان العيد أضحى بين لهم حكم الضحايا ، وأنها سنة من الإبل والبقر والغنم ، وبين لهم أول زمان النحر وآخره ، والعيوب المانعة والأسنان المعتبرة ، وقدر ما يأكل ويتصدق ، وحكم التكبير في يوم النحر وأيام التشريق ، وإن كان فقيها ذكر خلاف الفقهاء فيما يتعلق بالضحايا وزكاة الفطر ، ليعلم ببيانه العالم والجاهل فيعلم الجاهل ويتذكر العالم .

التالي السابق


الخدمات العلمية