الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : والحال الثالثة : إتيان البهيمة ، وفيه ثلاثة أقوال :

أحدهما : أنه موجب للقتل ، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : " اقتلوا البهيمة ومن أتاها " ، والقول الثاني : أنه موجب لحد الزنا ، وهو اختيار المزني .

[ ص: 237 ] والقول الثالث : أنه موجب للتعزير ، وهو اختيار أبي العباس بن سريج وأبي سعيد الإصطخري .

فإن قيل : إنه موجب للقتل أو لحد الزنا ، لم يثبت بأقل من أربعة .

وإن قيل : إنه موجب للتعزير ، ففيه وجهان :

أحدهما : أنه يثبت بشاهدين ، لأنه لما خرج عن حكم الزنا نقص عن شهود الزنا .

والوجه الثاني : لا يثبت بأقل من أربعة ، لأن اختلاف الحد في الجنس لا يوجب اختلاف العدد في الشهادة ، كما أن زنا العبد موجب لنصف الحد ، وزنا البكر موجب للجلد ، وزنا الثيب موجب للرجم ، ولا يختلف عدد الشهود لاختلاف الحدود .

فإن قيل : إنه موجب للقتل ، قتلت البهيمة التي أتاها ، لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله وقتلها ، وقتلها ليس حدا عليها لسقوط التكليف عنها .

واختلف في معنى الأمر بقتلها .

وقيل : لئلا تأتي بخلق مشوه .

وقيل : لئلا تتذكر بمشاهدتها فعل من أتاها فإذا قتلت البهيمة وكانت لغير من أتاها ، ففي وجوب غرم قيمتها لمالكها وجهان : -

أحدهما : لا غرم له لوجوب قتلها بالشرع .

والوجه الثاني : له قيمتها لاستهلاكها عليه بعدوان .

فعلى هذا في ملتزم قيمتها وجهان : أحدهما : على من أتاها .

والثاني : في بيت المال .

فلو كانت هذه البهيمة مأكولة ، فقد اختلف في إباحة أكلها على وجهين :

أحدهما : أنها مستباحة الأكل ، فعلى هذا تذبح وتؤكل ، ولا تغرم ، ويكون ذبحها واجبا .

والوجه الثاني : لا تؤكل وتقتل ، وفي وجوب غرمها وجهان .

[ ص: 238 ] وإن قيل : إن إتيان البهيمة موجب لحد الزنا ، لم تقتل البهيمة ، ووجب في القذف بها الحد .

وإن قيل : إنه موجب للتعزير ، لم يجب في القذف بها حد ، وعزر القاذف كما يعزر الفاعل .

وقال أبو العباس بن سريج : يحد القاذف وإن عزر الفاعل .

وهذا فاسد ، لأن حد القذف بالفعل أخف من حد الفعل ، فلما لم يجز الفعل حد ، فأولى أن لا يجب في القذف به .

التالي السابق


الخدمات العلمية