الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الفصل الثاني : في صفة الزنا .

فلا يقتنع من الشهود أن يشهدوا بالزنا حتى يصفوه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " العينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشي ويصدق ذلك ويكذبه الفرج " .

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استثبت ماعزا بعد إقراره بالزنا فقال " لعلك قبلت لعلك لمست "

قال : فعلت ، بصريح اللفظ دون كنايته .

فإذا لزم ذلك في المقر كان في الشاهد أحق .

[ ص: 239 ] فإذا شهد أربعة على رجل بالزنا سألهم الحاكم : كيف زنى ؟ ولم يحده قبل صفة الزنا .

ولأن عمر رضي الله عنه سأل من شهد على المغيرة بالزنا : كيف زنى ؟ فقال أبو بكرة مع شبل بن معبد ونافع : رأينا ذكره يدخل في فرجها كدخول المرود في المكحلة .

وعرض زياد ، وهو الرابع فقال رأيت بطنه على بطنها ، ورأيت أرجلا مختلفة ونفسا يعلو واستا تنبو ، فقال عمر : رأيت ذكره في فرجها ؟ فقال : لا ، فقال عمر : الحمد لله قم يا أرخى اجلد هؤلاء الثلاثة .

فجلدهم حد القذف ، فلم يجلد المغيرة ، لأن الشهادة عليه لم تكمل ، ولم يجلد زيادا للقذف ، لأنه عرض لم يصرح به .

فإذا كان كذلك ، اعتبر ما وصفه الشهود .

فإن صرحوا بدخول ذكره في فرجها ، كملت بهم الشهادة ، وحد المشهود عليه حد الزنا ، وسلم الشهود من حد القذف .

وإن لم يصرحوا جميعا بدخول ذكره في فرجها ، فلا حد على الشهود عليه ، فأما الشهود ، فإن قالوا في أول الشهادة : إنه زنى ووصفوا ما ليس بزنا ، حدوا حدا واحدا . لأنهم قد صرحوا بالقذف ولم يشهدوا بالزنا .

وإن لم يقولوا في أول الشهادة أنه زنى وشهدوا عليه بما ليس بزنا ، لم يحدوا قولا واحدا .

وإن وصف ثلاثة منهم الزنا ، ووصف الرابع ما ليس بزنا ، لم يحد المشهود عليه ، لأن البينة بالزنا لم تكمل ، وفي حد الثلاثة الذين وصفوا الزنا قولان :

أحدهما : يحدون لأن عمر رضي الله عنه حدهم لأنهم صاروا قذفة .

والقول الثاني : لا يحدون ، لأنهم قصدوا الشهادة بالزنا ولم يقصدوا المعرة بالقذف .

فإن قيل بوجوب الحد عليهم لم تقبل شهادتهم حتى يتوبوا ، وقبل خبرهم قبل التوبة ، لأن أبا بكرة حين حد قال له عمر : تب أقبل شهادتك ، فامتنع وقال : والله لقد زنى المغيرة ، فهم بجلده مرة ثانية ، فقال له علي عليه السلام : إنك إن جلدته رجمت

[ ص: 240 ] صاحبك ، يعني أنك إن جعلت هذا غير الأول ، فقد كملت به الشهادة ، فأرجم المغيرة ، وإن كان هو الأول ، فقد جلدته .

وكان أبو بكرة بعد ذلك يقبل خبره ، ولا تقبل شهادته .

وأما الرابع الذي وصف ما ليس بزنا فينظر في شهادته : فإن قال : إنه زنا ، ثم وصف ما ليس بزنا حد قولا واحدا .

وإن لم يقل زنا ، ووصف ما ليس بزنا فلا حد عليه قولا واحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية