الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول في صيرورة الشهود ورثة ] .

فصل : ولو شهد العدلان ثم مات المشهود له ، فورثه الشاهدان قبل الحكم بشهادتهما ، ردت الشهادة لأنهما قد صارا شاهدين لأنفسهما عند الحكم بها ولا يجوز أن يحكم للإنسان بشهادة لنفسه .

مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وإن حكم بها وهو عدل ثم تغيرت حاله بعد الحكم ، لم نرده لأني إنما أنظر يوم يقطع الحاكم بشهادته " .

قال الماوردي : وحدوث فسقهما بعد نفوذ الحكم بشهادتهما على ضربين :

أحدهما : أن يحدث الفسق بعد استيفاء الحق ، فلا يجوز نقض الحكم بشهادتهما سواء كان في حقوق لله تعالى أو الآدميين ، وبخلاف حدوث الفسق قبل الحكم ، لوقوع الفرق بينهما من وجهين :

أحدهما : أن الشك والاحتمال موجود في الحالين ، فلما لم يجز أن يثبت الحكم بالشك ، لم يجز أن ينقض حكمه بالشك والاحتمال ، فيكون المعنى الذي منع من الحكم بشهادتهما هو المانع من نقض الحكم النافذ بشهادتهما .

والثاني : إن تغير الحال قبل نفوذ الحكم مخالف لتغيرها بعد نفوذ الحكم . لأن الحاكم إذا اجتهد رأيه في الحكم ، فأداه اجتهاده إلى حكم ثم بان أن الحق في غيره ، نقضه قبل نفوذ حكمه ، ولم ينقضه بعد نفوذ حكمه ، فأوجب هذا الفرق في تغير الاجتهاد قبل نفوذ الحكم وبعده ، وقوع الفرق في الفسق بحدوثه قبل نفوذ الحكم وبعده .

فهذا حكم أحد الضربين في حدوث الفسق بعد استيفاء الحق أنه محمول على عموم إمضائه في جميع الحقوق .

[ ص: 252 ] والضرب الثاني : أن يحدث الفسق بعد نفوذ الحكم وقبل استيفاء الحق ، فهذا على ثلاثة أضرب :

أحدهما : أن يكون الحق مالا أو في معنى المال ، فيجب استيفاؤه بعد الفسق لنفوذ الحكم قبل الفسق تعليلا بالمعنيين المتقدمين .

والضرب الثاني : أن يكون الحق حدا وجب لله خاصة ، كحد الزنا وجلد الخمر وقطع السرقة ، مما يدرأ بالشبهة ، فيسقط بحدوث الفسق ولا يستوفى لأن حدوثه شبهة .

والضرب الثالث : أن يكون حدا قد وجب للآدمي كالقصاص وحد القذف ، ففي سقوطه بحدوث الفسق قبل استيفائه وجهان :

أحدهما : يسقط لكونه حدا يدرأ بالشبهة .

والوجه الثاني : لا يسقط لأنه من حقوق الآدميين كالأموال .

التالي السابق


الخدمات العلمية