الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول في رجوع الشهود بعد نفوذ الحكم وقبل الاستيفاء ] .

فصل : وأما الحال الثانية : وهو أن يرجعوا بعد نفوذ الحكم بشهادتهم وقبل استيفاء الحق ، فلا يخلو أن يكون ما شهدوا به من أن يكون مالا أو غير مال ، فإن كان مالا ، لم ينقض حكمه به وأمضاه ، وهذا قول جمهور الفقهاء .

وحكي عن عبيد الله بن الحسن العنبري أنه قال : ينقض الحكم برجوعهم لإبطال هذه الشهادة بالرجوع ، وهذا فاسد من وجهين :

أحدهما : أن الحكم إذا نفذ بالاجتهاد ، لم ينقض بالاحتمال ، والاجتهاد تغليب صدقهم في الشهادة ، والاحتمال جواز كذبهم في الرجوع .

والثاني : أن في شهادتهم إثبات حق يجري مجرى الإقرار ، وفي رجوعهم نفي ذلك الحق الجاري مجرى الإنكار ، فلما لم يبطل الحكم بالإقرار لحدوث الإنكار ، لم يبطل الحكم بالشهادة لحدوث الرجوع .

[ ص: 255 ] وإن كان ما شهدوا به ليس بمال ، فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون مما لا يبطل بالشبهة كالنكاح والطلاق ، فهو كالمال في نفوذ الحكم به ، فلا يبطل برجوع الشهود

والضرب الثاني : أن يكون مما يسقط بالشبهة كالحدود ، وهو على ضربين :

أحدهما : أن يكون من حقوق الله تعالى المحضة كحد الزنا ، وجلد الخمر ، وقطع السرقة ، فيسقط برجوع الشهود ، كما يسقط برجوع المقر ، لأن رجوع الشهود شبهة تدرأ بمثلها الحدود .

والضرب الثاني : أن يكون من حقوق الآدميين المحضة كالقصاص .

وحد القذف فعلى ضربين :

أحدهما : أن يكون مما إذا سقط بالشبهة رجع إلى الدية التي لا تسقط بالشبهة ، فليسقط برجوع الشهود ، القصاص ، ولا تسقط الدية .

والضرب الثاني : أن يكون مما إذا سقط بالشبهة لم يرجع إلى بدل ، كحد القذف ، ففي سقوطه برجوع شهوده وجهان :

أحدهما : تسقط بالرجوع ، لأنها شبهة تدرأ بمثلها الحدود .

والوجه الثاني : لا تسقط بالرجوع لأنه من حقوق الآدميين المغلظة .

التالي السابق


الخدمات العلمية