الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول في أحوال رجوع شهود القتل ] .

فصل : فإذا تقرر أن الشهود بالقتل كالقتلة ، لم يخل حالهم في الشهادة به إذا تغيرت من ثلاثة أقسام :

أحدها : أن يشكو فيها بعد استيفاء الحق بها ، أو يقولوا لعلنا أخطأنا فيها ، فهذا قدح في الضبط لا يتغير به حكم الشهادة بعد نفوذ الحكم بها ، ولا ضمان عليهم به ، لأن الضمان لا يجب بالشك .

والقسم الثاني : أن يرجعوا جميعا عنها ، فيسألهم الحاكم عن شهادتهم هل تعمدوها أو أخطأوا فيها ؟ لاختلاف حكم العمد والخطأ في القتل .

ولهم في الجواب عنه ثمانية أحوال :

أحدها : أن يقولوا : عمدنا كلنا ليقتل بشهادتنا ، فالقود على جميعهم واجب ، لأنهم قتلة عمد .

والحال الثانية : أن يقولوا : عمدنا كلنا وما علمنا أن الحاكم يقتله بشهادتنا ، فهم أهل جهالة بمثله ، فهذا منهم قتل عمد شبه الخطأ ، ولا قود عليهم ، وتؤخذ الدية منهم مغلظة لما فيه من العمد ، ومؤجلة لما فيه من الخطأ .

والحال الثالثة : أن يقولوا : أخطأنا كلنا ، فعليهم دية الخطأ مخففة ومؤجلة [ ص: 258 ] يؤخذون بها دون عواقلهم ، لوجوبها باعترافهم ، والعاقلة لا تتحمل عنهم ما وجب باعترافهم إن لم يصدقوهم ، فإن صدقوهم تحملوها عنهم .

والحال الرابعة : أن يتفقوا على أنه عمد بعضهم وأخطأ بعضهم ، فلا قود على العامد لمشاركته الخاطئ ، وعلى العامد قسطه من الدية مغلظة حالة ، وعلى الخاطئ قسطه من الدية مخففة مؤجلة .

والحال الخامسة : أن يختلفوا ، فيقول بعضهم عمدنا كلنا ، ويقول بعضهم : أخطأنا كلنا ، فعلى من أقر بعمد جميعهم القود ، وعلى من أقر بخطأ جميعهم قسطه منه الدية مخففة ومؤجلة .

والحال السادسة : أن يختلفوا ، فيقول اثنان منهم : عمدنا وأخطأ هذان الآخران ، ويقول الآخران : بل عمدنا وأخطأ هذان الأولان ، ففي وجوب القود عليهم قولان : أحدهما : عليهم القود جميعا ، لأن كل واحد منهم قد اعترف بالقتل بالعمد في حقه ، وأضاف الخطأ إلى من قد اعترف بعمده ، فصاروا كالمعترفين جميعا بالعمد .

والقول الثاني : وهو أصح ، لا قود على واحد منهم ، لأن كل واحد منهم مقر بمشاركة للخاطئ ، فلم يلزمه إقرار الخاطئ بعمده ، ولأن أحدا لا يؤاخذ بإقرار غيره ، ويكون على كل واحد منهم قسطه من دية العمد مغلظة حالة .

والحال السابعة : أن يقول اثنان منهم : عمدنا كلنا ، ويقول الآخران : عمدنا وأخطأ الأولان ، فعلى المقر بعمد جميعهم القود ، وفيما على المقر بعمده وخطأ غيره قولان :

أحدهما : القود .

والثاني : قسطه من دية العمد مغلظة حالة .

والحال الثامنة : أن يقول أحدهم : عمدت وما أدري ما فعل أصحابي ، سألنا أصحابه ، فإن قالوا : عمدنا ، وجب القود على الكل ، وإن قالوا : أخطأنا ، سقط القود عن الكل .

فهذا حكمهم إذا رجعوا جميعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية