الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول في رجوع شهود العتق ]

فصل : وأما شهادتهم بالعتق إذا رجعوا عنها في عبد كان قنا ، فعليهم غرم قيمته بوفاق أبي حنيفة ، وإن خالف في الطلاق .

وتعتبر قيمته عند نفوذ الحكم بشهادتهم ، لا وقت رجوعهم ، لأنه بالحكم صار مستهلكا لا بالرجوع .

فإن شهدوا عليه بعتق مدبر ثم رجعوا عنه لزمهم غرم قيمته أيضا : لأنه قد كان [ ص: 266 ] على الرق وجواز البيع ، فإن شهدوا عليه بعتق أم الولد رجع عليهم بقيمتها ، وإن منع من بيعها كما يرجع بالقيمة على قاتلها .

وإن شهدوا عليه بكتابة عبده ، لم يغرموا عند الرجوع ، وينظر ما يكون من حال المكاتب : فإن عجز وعاد إلى الرق فلا غرم على الشهود بعوده إلى الرق الذي كان عليه قبل الشهادة .

وإن أدى وعتق نظر في ما أداه من كتابته ، فإن كان بقدر قيمته ، ففي وجوب غرمها على الشهود وجهان :

أحدهما : لا غرم عليهم ، لأن السيد قد وصل إلى القيمة من مكاتبه ، فصار كوصوله إلى المهر من خلع زوجته .

والوجه الثاني : يرجع عليهم بغرم قيمته وإن وصل إليها من مكاتبه ، لأنه أداها من اكتتابه التي قد كان يملكها بغير كتابه ، وبهذا خالف ما أدته المرأة في الخلع ، لأن المؤدى لا يملكه الزوج إلا بالخلع .

وإن كان ما أداه المكاتب فيعتق به أقل من قيمته ، رجع السيد على الشهود بالباقي من قيمته ، وفي رجوعه عليهم بما أداه المكاتب وجهان تعليلا بما قدمناه فيها .

فإن شهدوا بإبراء مكاتبه من مال كتابته ، فحكم عليه بعتقه ، ثم رجع الشهود ، غرموا له أقل الأمرين من قيمته أو مال كتابته ، لأن القيمة إذا كانت أقل ، فليس بأغلظ من العبد القن . فلا يلزمه أكثر منها ، وإن كان مال الكتابة أقل ، فليس له على المكاتب أكثر منه فلم يرجع بالزيادة والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية