الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وإذا شهد شاهدان أنه دبر عبده سالما وهو الثلث ، وشهد شاهدان أنه أوصى بعتق عبده غانما وهو الثلث ففيه قولان :

أحدهما : أنهما سواء ويقرع بينهما ويعتق من قرع منهما .

والقول الثاني : أن التدبير مقدم على الوصية بالعتق ، لوقوع العتق فيه بالموت ، فيعتق المدبر ، ويرق الموصى بعتقه .

ولو شهد شاهدان أنه دبر عبده سالما وهو الثلث ، وشهد آخران أنه أوصى بعتق عبده غانما وهو الثلث ، وشهد آخران أنه أوصى بثلثه لزيد ففيه ثلاثة أقوال :

أحدهما : أنه يقدم التدبير فيستوظف به الثلث ، ويرق الموصى بعتقه ، وتبطل الوصية بثلثه .

والقول الثاني : أنه يشرك بين المدبر والموصى بعتقه ويقرع بينهما ويعتق من قرع منهما ، وتبطل الوصية بثلثه .

والقول الثالث : أنه يشرك بين الجميع في الثلث فيدفع ثلث الثلث إلى الموصى له ويقرع بين المدبر والموصى بعتقه في ثلثي الثلث ، فإذا قرع أحدهما عتق ثلثاه ورق ثلثه وجميع الآخر .

مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " وقال في الشهادات في العتق والحدود إملاء ، وإذا شهدا أن سيده أعتقه ، فلم يعدلا ، فسأل العبد أن يحال بينه وبين سيده أجر ، ووقفت إجارته ، فإن تم عتقه أخذها ، وإن رق أخذها السيد " .

قال الماوردي : وصورتها في عبد ادعى على سيده أنه أعتقه وأنكر السيد عتقه ، فأقام العبد بينة بعتقه شاهدين مجهولي العدالة ، فسأل العبد أن يحال بينه وبين سيده حتى تظهر العدالة ليحكم بعتقه ، أجيب إلى الإحالة بين العبد وبين السيد حتى تظهر العدالة لأمرين : -

[ ص: 288 ] أحدهما : أنه قد قام بما عليه من الشهادة ، وبقي ما على الحاكم من كشف العدالة .

والثاني : أن الظاهر من الشهادة صحتها ، ولا يؤمن على العبد أن يباع ، ولا على الأمة أن توطأ .

فإذا أحيل بينهما ، لزم الحاكم أن يستظهر للسيد بأمرين كما استظهر للعبد بالمنع :

أحدهما : أن يضعه على يد أمين نيابة عن يد السيد .

والثاني : أن يؤجره بأجرة ينفق عليه منها ، ويوقف باقيها على عدالة الشاهدين ، فإن ثبتت عدالتهما حكم بعتقه ورد عليه باقي أجرته ، وإن ثبت فسقهما حكم برقه وإعادته إلى سيده مع بقية أجرته ، وإن لم يثبت لهما عدالة ولا فسق كان باقيا على الوقف ما بقي حال الشاهدين على الشهادة والجهالة .

ولو كانت هذه الدعوى في غير العتق من دين مدعى ، وأقام مدعيه شاهدين مجهولي العدالة والجرح ، فوقفت شهادتهما على الكشف ، وسأل المدعي حبس خصمه على الكشف على العدالة ، أجيب إليها اعتبارا بعدالة الظاهر ، ولم يحكم عليه بها حتى تثبت عدالة الباطن ، ولم يكن لحبسه غاية إلا أن تثبت العدالة ليستوفي منه الحق ، أو يثبت الفسق ويطلق .

مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهد له شاهدا وادعى شاهدا قريبا فالقول فيها واحد من قولين : أحدهما ما وصفت في الوقف ، والثاني لا يمنع منه سيده ويحلف له " .

قال الماوردي : وصورتها : أن يقيم المدعي للعتق شاهدا على عتقه ، ويسأل أن يحال بينه وبين سيده على إقامة الشاهد الآخر ، ففي إجابته إلى ذلك قولان منصوصان :

أحدهما : يجاب إلى ذلك ، لأن بقية العدد كبينة العدالة .

والقول الثاني : لا يجاب إليه لأنه قد أتى في كمال العدد بما عليه ، وبقي ما على الحاكم من ظهور العدالة ، ولم يأت في نقصان العدد بما عليه فلم يحكم له بما سأل .

فإن قيل : بأنه لا يجاب ولا فرق بين أن يكون الشاهد الذي أقامه معروف العدالة أو مجهولها ، ويحلف السيد على إنكار العتق ، فيكون العبد في يده على الرق .

وإن قيل بأنه يجاب إلى الإحالة بينه وبين سيده لم يخل حال الشاهد من أن يكون معروف العدالة أو مجهولها ، فإن كان معروف العدالة ، حيل بينه وبين سيده إلى مدة [ ص: 289 ] ثلاثة أيام ، فإن أقام الشاهد الآخر حكم له بالعتق ، وإن لم يقمه أحلف السيد على إنكار العتق ، وأعيد العبد إلى يده على الرق ، وإن كان الشاهد الذي أقامه مجهول العدالة فقد اختلف أصحابنا على هذا القول في جواز الإحالة بينه وبين سيده على وجهين :

أحدهما : يحال بينهما كما لو كان الشاهد عدلا ، اعتبارا بعدالة ظاهره .

والوجه الثاني : أن لا يحال ، لأن الباقي من العدالة والعدد أكثر من الماضي ، فيسقط باعتبار الأقل .

التالي السابق


الخدمات العلمية