الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ثم لا يزال يكبر خلف كل صلاة فريضة من الظهر من النحر إلى أن يصلي الصبح من آخر أيام التشريق ، فيكبر بعد الصبح ثم يقطع وبلغنا نحو ذلك عن ابن عباس قال : والصبح آخر صلاة بمنى والناس لهم تبع " .

قال الماوردي : قد ذكرنا أن تكبير العيدين على ضربين مطلق ومقيد ، فالمطلق ما تعلق بالزمان وتشريفه وعظيم حرمته ، وهذا يشترك فيه الأضحى والفطر ، ولا يختص به صلاة من غيرها ، وقد مضى تفصيله ، وأن أول زمانه من غروب الشمس ، وآخره إلى عند ظهور الإمام ، فأما المقيد فهو ما تعلق بالصلوات وأتى به في أعقابها ، فهذا يختص به الأضحى دون الفطر ، لما يتعلق به من حرمة الحج ، ويتصل به من أحكام النحر ، فإذا تقرر أنه مختص بالأضحى ، فقد نص الشافعي في القديم والجديد أنه يبتدئ بالتكبير من بعد صلاة الظهر من يوم النحر ، يقطعه بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، فيكبر عقيب خمس عشر صلاة وبه قال من الصحابة ابن عمر ، وابن عباس ، ومن التابعين عمر بن عبد العزيز والزهري ، ومن الفقهاء مالك وعليه العمل بمكة والمدينة .

وقال الشافعي في موضع آخر إنه يبتدئ بالتكبير من بعد المغرب من يوم عرفة إلى بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، فتكون ثماني عشرة صلاة ، وقال في موضع آخر حكاه عن بعض السلف أنه كان يبتدئ بالتكبير من بعد الصبح يوم عرفة إلى بعد العصر من آخر أيام التشريق ، فتكون ثلاثا وعشرين صلاة ثم قال : وأستخير الله سبحانه في ذلك .

واختلف أصحابنا في ذلك فكان بعضهم يخرج ذلك على ثلاثة أقاويل :

أحدها : أنه يكبر من بعد صلاة الظهر من يوم النحر إلى بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، ووجهه أن الناس في التكبير تبع للحاج لقوله تعالى : ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام [ الحج : 28 ] فخاطب الحاج بذلك ، وقيل أراد بالمنافع شهود عرفة ، وقيل أراد به النحر ، والحاج يبتدئون بالتكبير عند قطع التلبية ، وذلك في يوم النحر .

[ ص: 499 ] والقول الثاني : يبتدئون بالتكبير من بعد المغرب من ليلة النحر إلى بعد الصبح من آخر أيام التشريق ، ووجهه أن يقال : لأنها ليلة عيد فوجب أن يكون التكبير فيها مسنونا كالتكبير المطلق .

والقول الثالث : إنه يبتدئ بالتكبير من بعد صلاة الصبح من يوم عرفة إلى بعد صلاة العصر من آخر التشريق ، ووجهه أن يقال : لأن يوم عرفة يختص بركن من أركان الحج فوجب أن يكون التكبير فيه مسنونا كيوم النحر .

وقال أبو إسحاق المروزي ، وأبو علي بن أبي هريرة : ليست المسألة على أقاويل ، وإنما هو مذهبه أنه يبتدئ بالتكبير من بعد الظهر من يوم النحر إلى بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق قولا واحدا ، وقوله في موضع آخر إنه يبتدئ من بعد المغرب من ليلة النحر ، فإنما أراد التكبير المطلق ، وقوله في موضع آخر من بعد صلاة الصبح من يوم عرفة ، فإنما قاله حكاية عن مذهب غيره ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية