الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ ص: 350 ] باب الدعوى على كتاب أبي حنيفة

مسألة : قال الشافعي رحمه الله : " وإذا أقام أحدهما البينة أنه اشترى هذه الدار منه بمائة درهم ونقده الثمن ، وأقام الآخر بينة أنه اشتراها منه بمائتي درهم ونقده الثمن بلا وقت ، فكل واحد منهما بالخيار إن شاء أخذ نصفها بنصف الثمن الذي سمى شهوده ويرجع بالنصف ، وإن شاء ردها وقال في موضع آخر : إن القول قول البائع في البيع ، ( قال المزني : ) هذا أشبه بالحق عندي لأن البينتين قد تكافأتا ، وللمقر له بالدار سبب ليس لصاحبه كما يدعيانها جميعا ببينة وهي في يد أحدهما ، فتكون لمن هي في يديه لقوة سببه عنده على سبب صاحبه ( قال المزني ) رحمه الله : وقد قال لو أقام كل واحد منهما البينة على دابة أنه نتجها أبطلتهما وقبلت قول الذي هي في يديه " .

قال الماوردي : جمع المزني في هذا الباب بين ثلاث مسائل نقلها عن الشافعي :

فالأولى : بائع ومشتريان .

والثانية : بائعان ومشتريان .

والثالثة : مشتر وبائعان .

فأما الأولى : هي مسألتنا فصورتها في رجلين تداعيا ابتياع دار من رجل واحد ، فقال أحدهما : اشتريتها منه بمائة درهم ، ونقدته الثمن ، وأقام على ذلك بينة ، وقال الآخر : إنما اشتريتها منه بمائتي درهم ، ونقدته الثمن ، وأقام على ذلك بينة فهذا على ضربين :

أحدهما : أن يكون في البينة بيان على تقدم أحد العقدين ، على الآخر .

والثاني : أن لا يكون فيها بيان ، فإن بان بهما تقديم أحد العقدين على الآخر ، بأن تشهد بينة أحدهما ، أنه ابتاعها منه في رجب وتشهد بينة الآخر أنه ابتاعها منه في شعبان ، وتشهد بينة أحدهما أنه ابتاعها منه ، في يوم السبت ، وتشهد بينة الآخر أنه ابتاعها منه في يوم الأحد ، فهما في تقارب هذين الزمانين وتباعده سواء ، فيحكم بصحة العقد الأول ، وإبطال الثاني ، لأنه قد زال بالأول ملك البائع ، فصار في الثاني [ ص: 351 ] بائعا لغير ملك فيرجع الثاني على البائع بالثمن ، لقيام البينة بقبضه له ويكون الأول أحق بالدار ولا يدل ذلك على ملكه في الدار ، لأنه قد يجوز أن يكون البائع غير مالك حتى يقول الشهود أنه باعها ، وهو مالكها ، أو يقولوا إنها لهذا المشتري بابتياعها من هذا البائع ، فتدل له الشهادة بأحد الأمرين على ملك المشتري ، وصحة عقده ، وإن لم يكن في البينتين بيان على تقدم أحد العقدين ، وذلك يكون من أحد ثلاثة أوجه إما أن لا يكون في واحد منهما تاريخ ، أو تؤرخ إحداهما دون الأخرى ، أو تؤرخ كل واحدة منهما إلى وقت واحد ، لا يتقدم إحداهما على الأخرى ، فيكون بيان التقدم معدوما على الوجوه الثلاثة وإذا كان كذلك لم تخل حال الدار من أربعة أحوال :

إحداها : أن تكون في يد البائع .

والثانية : أن تكون في يد أحد المشتريين .

والثالث : أن تكون في أيديهما .

والرابع : أن تكون في يد أجنبي .

التالي السابق


الخدمات العلمية