الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : وأما الحالة الثانية : وهو أن تكون الدار في يدي أحد المشتريين ، فقد اختلف أصحابنا هل تترجح بينته بيده ، أم لا ؟ على وجهين مبنيين على اختلاف الوجهين في الترجيح بيد البائع ، إذا صدق أحدهما بترجيح يد أحد المشتريين ، إذا قيل : إنها ترجح بين البائع إذا صدقه فيحكم له ببينته ، ويده ويرجع الآخر بالثمن الذي شهدت به بينته ، ويجوز أن يكون خصما لصاحب اليد في الدار ويحلفه إذا أنكره ، وإن صدقه سلم الدار إليه بإقراره بالثمن الذي شهدت به بينته إن كان مثل الثمن في ابتياع حقه ، وإن كان أقل لم يكن له أن يرجع بالباقي ، لأنه مقر أنه لا يستحقه على الثاني ، وإن كان أكثر لم يكن له أن يأخذ الزيادة ، لأنه مقر أنه لا يستحق أكثر من الثمن الذي دفع ، ويكون درك للثاني على الأول ، دون البائع ، ولا يكون على البائع درك الأول ، ولا الثاني لأن الثاني ملكها عن الأول ، والأول قد أقر أنه لم يملكها عن البائع فلذلك سلم البائع من دركها .

والوجه الثاني : أنه لا تترجح البينة بيد البائع إذا صدق أحدهما ، فعلى هذا يسقط حكم يده ، وتتعارض البينتان في حقهما ، فتكون على الأقاويل الثلاثة :

أحدها : يسقطان ويرجع إلى البائع في إقراره ، وإنكاره على ما مضى .

والقول الثاني : يقرع بينهما ، ويحكم لمن قرع منهما على ما مضى .

[ ص: 354 ] والقول الثالث : يقسم بينهما باستعمالهما على ما مضى .

وذكر الربيع قولا رابعا : أن تعارض البينتين يوجب إبطال الصفقتين ، فيكون كل واحد من البيعين باطلا كالمتداعيين نكاح امرأة يقيم كل واحد منهما البينة على أنه تزوجها ، يبطل النكاحان بتعارضهما ، فأنكر أصحابنا هذا القول ونسبوه إلى الربيع تخريجا لنفسه ، ومنعوا من اعتباره بالنكاح ، لوقوع الفرق بينهما ، بأن نكاح المرأة ، لا يجوز أن يكون بين زوجين ، وشراء الدار يجوز أن يكون بين مشتريين ، فبطل النكاحان ، لامتناع الشركة ، ولم يبطل البيعان مع جواز الشركة .

التالي السابق


الخدمات العلمية